السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الموضوع منقول من الكتاب المئوى من موقع وزارة النقل السعوديه
العصور القديمه
لم تكن الجزيرة العربية تعيش في عزلة خلال العصور القديمة , فقد كانت على إتصال وطيد بجيرانها , بحكم موقعها الجغرافي , وكانت محصلة هذه العلاقات والإتصالات تأثيرات ومؤثرات فاعلة , حيث أخذت منها الأمم المجاورة وأعطتها العديد من أساليب حياتها . وقد تحققت هذه الإتصالات بأساليب متعددة أبرزها العلاقات التجارية المتبادلة التي كان للطرق البرية والبحرية دور أساسي فيها . ومن هنا يمكن القول بـأن طرق التجارة البرية والبحرية شكلت أقدم أساليب المواصلات والإتصالات في الجزيرة العربية , حيث غطت الجزيرة العربية شبكة من الطرق ربطتها بالأقاليم المجاورة منذ عصور ماقبل التاريخ. ثم زادت أهمية هذه الطرق وعظم حجمها وتأثيرها خلال العصور المتعاقبة . وفي هذه المبحث نتحدث عن طرق التجارة في الجزيرة العربية في عصر ماقبل التاريخ وفجره , وفي الحقبة التي سبقت ظهور الإسلام .
أ- طرق التجارة في الجزيرة العربية في عصور ما قبل التاريخ وفجره
كان للجزيرة العربية في عصور ماقبل التاريخ علاقات تجارية وبحرية مع وادي الرافدين و وادي النيل وفارس والهند وحوض البحر المتوسط . وكان سكان الجزيرة العربية في تلك الفترة يرون الطرق البرية أكثر أمنا من الرحلات البحرية
أهميتها
قامت الطرق التجارية من الجزيرة العربية وجيرانها بدور كبير في قولبة أنظمتها الحضارية والدينية خلال حقبة ماقبل التاريخ وفجره. وتشير المعثورات الفخارية التي كانت ضمن السلع التجارية في مواقع حضارات العبيد (6000 - 5000ق.م ) على إمتداد الساحل الشرقي للجزيرة العربية إلى صلات وثيقة بمراكز حضارية مع المناطق المجاورة . وهناك فخار العبيد الأحمر ذو العجينة المخلوطة بالقش والتبن , والذي وجد في عدة مواقع على امتداد ساحل الخليج , منها موقع الدوسرية الذي يقع على مسافة 12 كيلا جنوب شرق مدينة الجبيل الصناعية(Oates 1986 : 86 ).
شرق الجزيرة العربية :
يلاحظ أن التبادل التجاري عبر الطرق البرية أو البحرية في هذه المنطقة من الخليج يظهر في شكل آليات إجتماعية – حضارية أكثر من كونه علاقات إقتصادية صرفة. وربما كانت المنتجات والموجودات البحرية كاللؤلؤ والمحار من أقدم سلع التبادل التجاري في شمال شرق الجزيرة العربية. ومما لاشك فيه أن الثروات البحرية للجزيرة العربية أدت دورا مهما في تشكيل نظمها الدينية والإقتصادية والحضارية ,خلال الحقب المختلفة لعصر ماقبل التاريخ . ونتيجة لذلك يرى البعض بأن تزامن نهاية مظاهر حضارة العبيد . وبخاصة موجوداتها المتميزة , مع إختفاء مستوطناتها في شمال شرق الجزيرة العربية يؤخذان مؤشرا على تحول إستيطاني وحضاري باتجاه جنوب بلاد الرافدين , أدت الطرق التجارية , عملية التواصل الحضاري دورا مهما في تشكيله. ونجم عن ذلك هجرات متوالية من شرق الجزيرة العربية باتجاه الإقليم الجنوبي لبلاد الرافدين .وهذه الفرضية يؤيدها التغير الفجائي في نظام المستوطنات في جنوب بلاد الرافدين في نهاية حقبة حضارة العبيد (Masry 1974 : 197 ).
وكانت المجموعات السكانية ذات العلاقة العرقية بشرق الجزيرة العربية تمثل عنصرا مهما في البنية السكانية لجنوب بلاد الرافدين , وربما يفسر ذلك الأهمية الكبيرة لدلمون ومعبوداتها في الأساطير الدينية السومرية في وادي الرافدين . وعززت هذه العلائق التجارية الروابط الدينية والفكرية بين دلمون وسومر , وقد اعتبرت جزيرة تاروت للمنطقة الشرقية العاصمة التجارية لدولة دلمون ( Piesinger 1983 : 838).
وأدى التداخل التجاري والحضاري , فضلا عن التقارب الجغرافي بين دلمون وبلاد الرافدين , إلى أن تحاول الأخيرة ممارسة شكل من الوصاية السياسية عليها في بعض الفترات التاريخية . إذ نجد أن الملك تكلتي – نينورتا الأول لايكتفي بتلقيب نفسه ملكا على آشور وسومر وأكاد فحسب , بل يضيف إلى ذلك بأنه ملك دلمون وميلوخا .
جنوب شرق الجزيرة العربية
كان لماجان علاقات عبر البحر مالرافدين تجاوزت الصلات التجارية والإقتصادية إلى التأثير الديني وتشير الأسطورة السومرية ( إنكىونينهو-ساج ) إلى أن إسم المعبود الرئيسي في ماجان المدعو(لت-نينولتا) كان أسما سومريا. وكان الشعراء والكتاب السومريون يتباهون بأن معبودهم ( إنكى ) هو الذي اختار ( لت-نينولتا ) معبودا لما جان (Karmer 1963 : 277 ).
وتواصلت علاقات ماجان التجارية والثقافية مع العديد من المراكز الحضارية المجاورة في فارس مثل تب يحي وبامبر وشاري وسوفتا وغيرها , ونتج عن هذه العلاقات وجود قواسم مشتركة فنية وصناعية تمثلت بشكل واضح في فخاريات بامبر الرمادية اللون , والتي وجدت في العديد من المواقع مثل : هيلي وأم النار في دولة الإمارات العربية المتحدة . وكان للطريق البري عبر واحة البريمي أهمية كبيرة في التواصل التجاري والحضاري بين هذه المنطقة وبقية أجزاء الخليج العربي (Nayeem 1994:287 ).
غرب الجزيرة العربية :
نجم عن التواصل التجاري بين غرب الجزيرة العربية ووادي النيل , عبر طريق شبه جزيرة سيناء البري خلال حقبة ماقبل التاريخ وفجره , تأثير حضاري متبادل , يظهر بشكل جلي في فن الرسوم والنقوش الصخرية . وقد تم إكتشاف بعض الرسومات الصخرية في موقع جبة بشمال المملكة تشابه تلك التي تم إكتشافها في إحدى المقابر المصرية والتي يرجع تاريخها إلى (Zarins et al 1982:25-343000ق.م ). وتصف إحدى اللوحات الجدارية المعروفة بإسم ( أبيشا فرسكو ) زيارة أحد زعماء القبائل في شمال غرب الجزيرة العربية إلى مصر بمعية مجموعة من قومه. وفضلاً عن ذلك , فإن أساليب فن الرسوم الصخرية (التخطيط الرفيع والحفر الغائر) المعروفة في مواقع عدة قرب بيشة بجنوب غرب المملكة العربية السعودية لها مايماثله في مصر في بعض المواقع في وادي النيل مثل كوم أمبو Anati 1972:98-111
طرق التجارة البرية مع وادي الرافدين و فارس :
كان شرق الجزيزة العربية يسمى دلمون ( Dilmon ) و يشمل جزيرة فيلكاو البحرين و شرق المملكة العربية السعودية جنوبا . و قد كان لهذا الجزء ، من خلال الألف الثالث قبل الميلاد ، دور نشط في مجال التبادل التجاري و التعامل الاقتصادي و تبادل الثأثيرات الدينية و الحضارية بين العديد من المناطق ؛ فقد كانت دلمون نقطة التقاء و اتصال متبادل بين البر الرئيسي لساحل الجزيرة العربية الشرقي و مجموعة التجارة الاجنبية في جزيرة البحرين ( 143 – 145 : Masry 1974 ) . و هناك أدلة أثرية توضح استخدام الطرق البرية للقوافل بين دلمون وأواسط وادي الرافدين كما تشير الى ذلك نصوص « ماري » السورية ( 1954 : 4 Oppenheim ) ، كما تواصلت علاقات الجزيرة العربية التجارية مع الفارس عبر الطريق البري لواحة البريمي ، فالموجوادت التي عثر عليها في كل مكان من مواقع : تبيحي ، وبامبر و غيرها في ايران لها ما يناظرها في مواقع هيلي و أم النار في دولة الامارات العربية المتحدة ( Nayaeem 1994 : 287 ) .
و توحي السلع التي عثر عليها في العديد من مقابر التلال في أجزاء متفرقة من شبة الجزيرة العربية بوجود حركة تجارية نشطة منذ العصر البرونزي ( 2400 – 1800 ق . م ) ؛ فقد كشفت التنقيبات الاثرية لمدافن التلال الركامية في الجزيرة العربية – لا سيما في مدافن جنوب الظهران و اللربع الخالي بالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال ، و مدافن سار الجسر و أم علي بالبحرين – عن وجود مجموعات متفرقة من الحجر الصابوني و الخرز و الأواني الزجاجية و الأحجار الكريمة و الأواني النحاسية كانت ضمن سلع التبادل التجاري بين ساحل الجزيرة العربية الشرقي و برها الداخلي ( Bibby 1973 : 52-55 ) .
أدت جزيرة تاروت في شرق المملكة دورا حيويا في فترة فجر عصر الكتابة ، و الفترة الثالثة لفجر عصر السلالات . و خلال فترة أكاد – أور الثالثة / إسن لارسا انتقل مركز النشاط التجاري منها إلى جزيرة البحرين لأسباب جيوسياسية معقدة . و كما هو مثبت في مدافن الظهران التي تتزامن مع تلك الحقبة التاريخية ، فإن ساحل الجزيرة العربية الشرقي استمر في ربط المناطق الداخلية للجزيرة بحركة التجارة الدولية ( Frohlich et.al 1985 : 9-27 ) و تشير الوثائق الادارية التي ترجع إلى فترة السلالة الأولى في لاجاش – حوالي 2500 ق . م إلى اتصالات تجارية بين دلمون و بلاد ما بين النهرين ( دولة سومر ) . وكان التمر الذي يجلب من واحات القطيف و الهفوف في شرق المملكة العربية السعودية أكثر السلع تداولا و أهم سلع التصدير فس شرق الجزيرة العربية في تلك الأزمنة ( Cornwall 1984 : 137-139 and Speece 1984 : 167-176 ) .
و قد سلطت فنون الرسوم و النقوش الصخرية التي وجدت في إماكن متفرقة من المملكة الضوء على جوانب من الحياة الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية لإنسان ماقبل التاريخ خلال فترة العصر الحجري الحديث ، بوصفها مرآة للتواصل التجاري و الثقافي و الحضاري الذي ساد عبر الطرق البرية و البحرية أكثر من كونها تمثل تشابها أو تماثلا حضاريا أفرزته المصادفة المحضة (Anati 1968 ; Zarins 1982 and khan 1988 ) .
مع إقليم البحر المتوسط :
أقامت الجزيرة العربية علاقات تجارية وطيدة مع منطقة البحر المتوسط الشرقية منذ عصور ما قبل التاريخ , خصوصا مع سوريا ( بلاد الشام ) . و من الأدلة على هذه العلاقة وجود عدد وافر من الأختام السورية الأسطوانية الشكل ، في العديد من مناطق الخليج لكونها المنطقة التي نالت حظا لأوفر في مجال النقيب الأثري . و قد وجد نمط زخرفي من الأختام الخليجية يتألف من ستة أعناق لحيوانات ذات قرون يتصل بعضها ببعض بواسطة حلقة , في بعض الأختام في هضبة الأناضول التركية ( عبدالنعيم 1995 – 421 ؛ Potts 1986 : 389-398 ) . و في الوقت نفسه عثر على بعض الأدوات الحجرية الناعمة في موقع « ماري » في سوريا مصنوعة من أحجار الكلوريت و الإستيتايت ( الحجر الصابوني ) التي جلبت عبر الطرق البرية من محاجر تبعد 150 – 200 ميل جنوب غرب مدينة الرياض . وقد صدر شرق الجزيرة العربية « دلمون » إلى سوريا النحاس و القصدير و الأحجار الكريمة و العاج و الأخشاب و التمور , إذ أوردت نصوص « إبيلا » السورية و التي تعود إلى الألف الثالث ق.م معلومات عن قوافل التجارة البرية التي كانت تربط شرق جزيرة العرب ووسطها بسوريا ( Potts 1986 : 39,339-391 : عبد النعيم 1995: 432 .
مع وادي النيل :
ساهمت الطرق البرية عبر جزيرة سيناء في إقامة علاقات تجارية وثيقة بين غرب الجزيرة العربية و شمالها الغربي و بين وادي النيل ( مصر ) , فالأدلة الأثرية تثبت وجود اتصال تجاري و حضاري بين الجزيرة العربية و المملكة المصرية القديمة خلال الألف الثالث قبل الميلاد , كما صورت في المقابر الملكية الفرعونية أشكال أقوام من الجزيرة العربية , في الفترة ما بين 2000 – 1500 ق . م . أما الجزيرة العربية فكانت تصدر المنسوجات إلى مصر خلال الألف الثاني فبل الميلاد , و يتضح ذلك من رسومات الأنوال التي ظهرت في الأطباق و الأختام المصرية (Groom 1981 : 33 ) . و يبدو ان أسباب التواصل التجاري بين مصر القديمة و الجزيرة العربية كون الأخيرة مصدرا لخام النحاس و البخور الذي كان ذا أهمية كبيرة في المعابد و التحنيط ( Hitti 1964 : 33 ) . وكان لسكان السواحل الشمالية للجزيرة العربية صلات مع مصر القديمة عبر الطرق البرية و البحرية ؛ يستدل على ذلك بنقش مصري من 1360 ق . م , إذا كان سكان شمال غرب الجزيرة العربية و سطاء مشاركين في التجارة البخور بين مصادر في جنوب الجزيرة العربية و بين المصريين ( Parr 1988 :84 ) .
طرق التجارية البحرية مع سواحل الخليج ( دلمون ) :
شاركت دلمون بنشاط ملحوظ في حركة التجارة العالمية بين شواطئ شرق الجزيرة العربية و الأقاليم المجاورة شمالا و جنوبا ، و كان وراء ذلك النشاط عوامل عديدة ، أهمها موقعها الإستراتيجي في منتصف الطريق التجاري تقريبا ، و امتلاكها مرافئ طبيعية محمية تتوافر فيها المياه الصالحة للشرب ( Cornwall 1944 : 24 ) و عبر هذه الموانئ كانت تصدر إلى وادي الرافدين النحاس و الأحجار الكريمة و العاج و اللازورد و الأواني الحجرية و التمر ، و بعض المصنوعات الفخارية المتميزة التي كانت توضع في المعابد و القبور الملكية ( Kohl 1986 : 374; Nayeem 1992 : 399 ) . كما كانت تستقبل سلعا مختلفة من بينها الزيت و السمسم و الأخشاب العطرية من دلمون , و أحجار الديورايت و النحاس من ماجان ( عمان و الأمارات ( Piesinger 1983 : 645 ) ) .
أما أهم سلع التجارة التي تستوردها دلمون من وادي الرافدين عبر الطرق البحرية فهي : المنسوجات و الصوف و الجلود و الشعير و الدقيق و الجبن و الزبد و المواشي ( Cornwall 1944 : 17 and Leemans 1960 : 116 , 19 ) .
و بسبب بعد المسافة بين دلمون ووادي الرافدين , فأن البضائع كانت تنقل بواسطة البحر , فاستخدام السفن في هذه التجارة دلت عليه شواهد و نصوص أثرية عديدة ؛ مثل نصوص أرنناشي و سرجون التي تشير إلى أن سفن دلمون كانت ترسو في مرافئ أكاد ( Kramer 1964 :48 ) و صورت السفن التي تبحر إلى وادي الرافدين في الأختام الدلمونية أيضا. و كان الطريق البحري يتبع الساحل الغربي للخليج العربي كما يتضح من العديد من المواقع الساحلية لحضارة دلمون ( Oppenheim 1954 :15 ) .
و من جهة أخرى كان لجزيرة تاروت دورها المهم في تجارة الساحل الشرقي للجزيرة العربية . و كانت محورا مهما للتبادل التجاري بين مختلف مناطق الخليج . كما كانت مركزا لإنتاج السلع و بخاصة أواني الحجر الصابوني ( Zarins 1978 : 86-72 سعد 1991 : 230-231 ) .
أما طريق التجاري على امتداد ساحل الخليج الجنوبي الشرقي , حيث ازدهرت حضارة ماجان القديمة , فقد كان له دور بارز في التجارة مع وادي الرافدين و فارس شمالا. و في الوقت نفسه يقدم هذا الطريق البحري خدمات تجارية مهمة إلى بلوخستان ووادي الإندوس ( السند ) جنويا . و تجدر الإشارة إلى أن هناكطريقا بحريا آخر يتمد من وادي النيل , عبر البحر الأحمر و باب المندب إلى وادي الرافدين مرورا بالقطاع الجنوبي الشرقي من الخليج ( Nayeem 1994 :287 ) , و هذا الطريق يشارك في العمل فيه و نقل تجارته سكان الجزيرة العربية حسب المناطق التي تمر بها التجارة .
و يعد النحاس الذي كان يعدن في أماكن عدة في ماجان منذ الألف الثالث قبل الميلاد , أهم السلع التي تنقل من هذه البلاد إلى وادي الرافدين
مع شبة القارة الهندية :
تميز ساحل الجزيرة العربية الشرقي بصلات تجالرية و حضارية وثيقة مع الهند منذ حقبة ما قبل التاريخ المتأخر . و كان النقل البحري حلقة الوصل الرئيسية لذلك التواصل التجاري , حيث تواصلت علائق الجزيرة العربية بشبة القارة الهندية عبر البحر منذ الألف الثالث قبل الميلاد , و ربما قبل ذلك . و كانت السفن تحمل إلى الهند الكثير من السلع . فهناك الأختام الخليجية التي صنعت في المراكز التجارية في الجزيرة العربية , و التي وجدت في غرب الهند بكميات قليلة مما يرجح الاحتمال بأن مصدرها هو شبة الجزيرة العربية ( Bibby 1969 :187 ; Wheeler 1959 : 278 ) . و هناك الأخشاب التي كانت تصدر من دلمون , و النحاس و أحجار الديورايت من ماجان 0 عمان و الإمارات ) , فضلا عنى الأحجار الكريمة , و هناك الاواني الحجرية و الذهب و العاج و المواشي التي كانت تصدر إلى الهند من مراكز عديدة في هذه المنطقة ( Ratnagar 1981 : 23-70 ) .
و في المقابل كان شرق الجزيرة يستورد عددا من السلع التجارية من الهند , و تضم قائمة السلع المستوردة حجر اللازورد الذي كان يستورد خاما من وادي السند , و عثر عليه في مناطق متفرقة من ساحل الجزيرة العربية و لا سيما في جزيرة تاروت في شرق المملكة العربية السعودية ( Zarins 1978 :78 ) , كما كانت تستورد الموازين و المقاييس و الخرز و سلع أخرى . و قد وجدت أعداد وفير من الخرز المشغول في مدافن الظهران في المنطقة الشرقية للمملكة , بل عثر في دولة الإمارات العربية المتحدة في بعض المواقع على خرز العقيق الأحمر من مشغولات زادي هارابا في الباكستان , مؤرخة للألف الثالث قبل الميلاد ( Bibby 1969 : 187 ; Ratnagar 1981: 94 ) .
مع وادي النيل
كان لساحل الجزيرة العربية علاقات وطيدة مع ساحل أفريقياالشمالي عبر البحر الأحمر . ففي أوائل القرن الخامس عشر قبل الميلاد أرسلت الملكة المصرية حتشبسوت أسطولا في رحلة تجارية عبر البحر الأحمر . كما حفزت قناة ربطت النيل بخليج السويس , و احتفظت مصر لنفسها بأسطول تجاري في مياه البحر الأحمر يسير بمحاذاة الساحل الغربي للبحر الأحمر و لا يخرج لأعالي البحار .
و في فترة لاحقة ربطت الجزيرة العربية بطريق بحري عبر خليج السويس , و كان الهدف منه الاستفادة من خامات النحاس التي كانت تعدن في الجانب الغربي من شبة الجزيرة العربية . و كان لهذا الطريق دور مهم في ربط مصر بغرب الجزيرة تجاريا و ثقافيا , كما تفرعت منه طرق أخرى ربطت الأخيرة ببلاد مابين النهرين و الخليج شرقا و اليمن و حضرموت جنوبا ( O’Leary 1927 : 27-37 ؛ عبدالنعيم 1995 : 423 - 424 ) .
يتبع
هذا الموضوع منقول من الكتاب المئوى من موقع وزارة النقل السعوديه
العصور القديمه
لم تكن الجزيرة العربية تعيش في عزلة خلال العصور القديمة , فقد كانت على إتصال وطيد بجيرانها , بحكم موقعها الجغرافي , وكانت محصلة هذه العلاقات والإتصالات تأثيرات ومؤثرات فاعلة , حيث أخذت منها الأمم المجاورة وأعطتها العديد من أساليب حياتها . وقد تحققت هذه الإتصالات بأساليب متعددة أبرزها العلاقات التجارية المتبادلة التي كان للطرق البرية والبحرية دور أساسي فيها . ومن هنا يمكن القول بـأن طرق التجارة البرية والبحرية شكلت أقدم أساليب المواصلات والإتصالات في الجزيرة العربية , حيث غطت الجزيرة العربية شبكة من الطرق ربطتها بالأقاليم المجاورة منذ عصور ماقبل التاريخ. ثم زادت أهمية هذه الطرق وعظم حجمها وتأثيرها خلال العصور المتعاقبة . وفي هذه المبحث نتحدث عن طرق التجارة في الجزيرة العربية في عصر ماقبل التاريخ وفجره , وفي الحقبة التي سبقت ظهور الإسلام .
أ- طرق التجارة في الجزيرة العربية في عصور ما قبل التاريخ وفجره
كان للجزيرة العربية في عصور ماقبل التاريخ علاقات تجارية وبحرية مع وادي الرافدين و وادي النيل وفارس والهند وحوض البحر المتوسط . وكان سكان الجزيرة العربية في تلك الفترة يرون الطرق البرية أكثر أمنا من الرحلات البحرية
أهميتها
قامت الطرق التجارية من الجزيرة العربية وجيرانها بدور كبير في قولبة أنظمتها الحضارية والدينية خلال حقبة ماقبل التاريخ وفجره. وتشير المعثورات الفخارية التي كانت ضمن السلع التجارية في مواقع حضارات العبيد (6000 - 5000ق.م ) على إمتداد الساحل الشرقي للجزيرة العربية إلى صلات وثيقة بمراكز حضارية مع المناطق المجاورة . وهناك فخار العبيد الأحمر ذو العجينة المخلوطة بالقش والتبن , والذي وجد في عدة مواقع على امتداد ساحل الخليج , منها موقع الدوسرية الذي يقع على مسافة 12 كيلا جنوب شرق مدينة الجبيل الصناعية(Oates 1986 : 86 ).
شرق الجزيرة العربية :
يلاحظ أن التبادل التجاري عبر الطرق البرية أو البحرية في هذه المنطقة من الخليج يظهر في شكل آليات إجتماعية – حضارية أكثر من كونه علاقات إقتصادية صرفة. وربما كانت المنتجات والموجودات البحرية كاللؤلؤ والمحار من أقدم سلع التبادل التجاري في شمال شرق الجزيرة العربية. ومما لاشك فيه أن الثروات البحرية للجزيرة العربية أدت دورا مهما في تشكيل نظمها الدينية والإقتصادية والحضارية ,خلال الحقب المختلفة لعصر ماقبل التاريخ . ونتيجة لذلك يرى البعض بأن تزامن نهاية مظاهر حضارة العبيد . وبخاصة موجوداتها المتميزة , مع إختفاء مستوطناتها في شمال شرق الجزيرة العربية يؤخذان مؤشرا على تحول إستيطاني وحضاري باتجاه جنوب بلاد الرافدين , أدت الطرق التجارية , عملية التواصل الحضاري دورا مهما في تشكيله. ونجم عن ذلك هجرات متوالية من شرق الجزيرة العربية باتجاه الإقليم الجنوبي لبلاد الرافدين .وهذه الفرضية يؤيدها التغير الفجائي في نظام المستوطنات في جنوب بلاد الرافدين في نهاية حقبة حضارة العبيد (Masry 1974 : 197 ).
وكانت المجموعات السكانية ذات العلاقة العرقية بشرق الجزيرة العربية تمثل عنصرا مهما في البنية السكانية لجنوب بلاد الرافدين , وربما يفسر ذلك الأهمية الكبيرة لدلمون ومعبوداتها في الأساطير الدينية السومرية في وادي الرافدين . وعززت هذه العلائق التجارية الروابط الدينية والفكرية بين دلمون وسومر , وقد اعتبرت جزيرة تاروت للمنطقة الشرقية العاصمة التجارية لدولة دلمون ( Piesinger 1983 : 838).
وأدى التداخل التجاري والحضاري , فضلا عن التقارب الجغرافي بين دلمون وبلاد الرافدين , إلى أن تحاول الأخيرة ممارسة شكل من الوصاية السياسية عليها في بعض الفترات التاريخية . إذ نجد أن الملك تكلتي – نينورتا الأول لايكتفي بتلقيب نفسه ملكا على آشور وسومر وأكاد فحسب , بل يضيف إلى ذلك بأنه ملك دلمون وميلوخا .
جنوب شرق الجزيرة العربية
كان لماجان علاقات عبر البحر مالرافدين تجاوزت الصلات التجارية والإقتصادية إلى التأثير الديني وتشير الأسطورة السومرية ( إنكىونينهو-ساج ) إلى أن إسم المعبود الرئيسي في ماجان المدعو(لت-نينولتا) كان أسما سومريا. وكان الشعراء والكتاب السومريون يتباهون بأن معبودهم ( إنكى ) هو الذي اختار ( لت-نينولتا ) معبودا لما جان (Karmer 1963 : 277 ).
وتواصلت علاقات ماجان التجارية والثقافية مع العديد من المراكز الحضارية المجاورة في فارس مثل تب يحي وبامبر وشاري وسوفتا وغيرها , ونتج عن هذه العلاقات وجود قواسم مشتركة فنية وصناعية تمثلت بشكل واضح في فخاريات بامبر الرمادية اللون , والتي وجدت في العديد من المواقع مثل : هيلي وأم النار في دولة الإمارات العربية المتحدة . وكان للطريق البري عبر واحة البريمي أهمية كبيرة في التواصل التجاري والحضاري بين هذه المنطقة وبقية أجزاء الخليج العربي (Nayeem 1994:287 ).
غرب الجزيرة العربية :
نجم عن التواصل التجاري بين غرب الجزيرة العربية ووادي النيل , عبر طريق شبه جزيرة سيناء البري خلال حقبة ماقبل التاريخ وفجره , تأثير حضاري متبادل , يظهر بشكل جلي في فن الرسوم والنقوش الصخرية . وقد تم إكتشاف بعض الرسومات الصخرية في موقع جبة بشمال المملكة تشابه تلك التي تم إكتشافها في إحدى المقابر المصرية والتي يرجع تاريخها إلى (Zarins et al 1982:25-343000ق.م ). وتصف إحدى اللوحات الجدارية المعروفة بإسم ( أبيشا فرسكو ) زيارة أحد زعماء القبائل في شمال غرب الجزيرة العربية إلى مصر بمعية مجموعة من قومه. وفضلاً عن ذلك , فإن أساليب فن الرسوم الصخرية (التخطيط الرفيع والحفر الغائر) المعروفة في مواقع عدة قرب بيشة بجنوب غرب المملكة العربية السعودية لها مايماثله في مصر في بعض المواقع في وادي النيل مثل كوم أمبو Anati 1972:98-111
طرق التجارة البرية مع وادي الرافدين و فارس :
كان شرق الجزيزة العربية يسمى دلمون ( Dilmon ) و يشمل جزيرة فيلكاو البحرين و شرق المملكة العربية السعودية جنوبا . و قد كان لهذا الجزء ، من خلال الألف الثالث قبل الميلاد ، دور نشط في مجال التبادل التجاري و التعامل الاقتصادي و تبادل الثأثيرات الدينية و الحضارية بين العديد من المناطق ؛ فقد كانت دلمون نقطة التقاء و اتصال متبادل بين البر الرئيسي لساحل الجزيرة العربية الشرقي و مجموعة التجارة الاجنبية في جزيرة البحرين ( 143 – 145 : Masry 1974 ) . و هناك أدلة أثرية توضح استخدام الطرق البرية للقوافل بين دلمون وأواسط وادي الرافدين كما تشير الى ذلك نصوص « ماري » السورية ( 1954 : 4 Oppenheim ) ، كما تواصلت علاقات الجزيرة العربية التجارية مع الفارس عبر الطريق البري لواحة البريمي ، فالموجوادت التي عثر عليها في كل مكان من مواقع : تبيحي ، وبامبر و غيرها في ايران لها ما يناظرها في مواقع هيلي و أم النار في دولة الامارات العربية المتحدة ( Nayaeem 1994 : 287 ) .
و توحي السلع التي عثر عليها في العديد من مقابر التلال في أجزاء متفرقة من شبة الجزيرة العربية بوجود حركة تجارية نشطة منذ العصر البرونزي ( 2400 – 1800 ق . م ) ؛ فقد كشفت التنقيبات الاثرية لمدافن التلال الركامية في الجزيرة العربية – لا سيما في مدافن جنوب الظهران و اللربع الخالي بالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال ، و مدافن سار الجسر و أم علي بالبحرين – عن وجود مجموعات متفرقة من الحجر الصابوني و الخرز و الأواني الزجاجية و الأحجار الكريمة و الأواني النحاسية كانت ضمن سلع التبادل التجاري بين ساحل الجزيرة العربية الشرقي و برها الداخلي ( Bibby 1973 : 52-55 ) .
أدت جزيرة تاروت في شرق المملكة دورا حيويا في فترة فجر عصر الكتابة ، و الفترة الثالثة لفجر عصر السلالات . و خلال فترة أكاد – أور الثالثة / إسن لارسا انتقل مركز النشاط التجاري منها إلى جزيرة البحرين لأسباب جيوسياسية معقدة . و كما هو مثبت في مدافن الظهران التي تتزامن مع تلك الحقبة التاريخية ، فإن ساحل الجزيرة العربية الشرقي استمر في ربط المناطق الداخلية للجزيرة بحركة التجارة الدولية ( Frohlich et.al 1985 : 9-27 ) و تشير الوثائق الادارية التي ترجع إلى فترة السلالة الأولى في لاجاش – حوالي 2500 ق . م إلى اتصالات تجارية بين دلمون و بلاد ما بين النهرين ( دولة سومر ) . وكان التمر الذي يجلب من واحات القطيف و الهفوف في شرق المملكة العربية السعودية أكثر السلع تداولا و أهم سلع التصدير فس شرق الجزيرة العربية في تلك الأزمنة ( Cornwall 1984 : 137-139 and Speece 1984 : 167-176 ) .
و قد سلطت فنون الرسوم و النقوش الصخرية التي وجدت في إماكن متفرقة من المملكة الضوء على جوانب من الحياة الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية لإنسان ماقبل التاريخ خلال فترة العصر الحجري الحديث ، بوصفها مرآة للتواصل التجاري و الثقافي و الحضاري الذي ساد عبر الطرق البرية و البحرية أكثر من كونها تمثل تشابها أو تماثلا حضاريا أفرزته المصادفة المحضة (Anati 1968 ; Zarins 1982 and khan 1988 ) .
مع إقليم البحر المتوسط :
أقامت الجزيرة العربية علاقات تجارية وطيدة مع منطقة البحر المتوسط الشرقية منذ عصور ما قبل التاريخ , خصوصا مع سوريا ( بلاد الشام ) . و من الأدلة على هذه العلاقة وجود عدد وافر من الأختام السورية الأسطوانية الشكل ، في العديد من مناطق الخليج لكونها المنطقة التي نالت حظا لأوفر في مجال النقيب الأثري . و قد وجد نمط زخرفي من الأختام الخليجية يتألف من ستة أعناق لحيوانات ذات قرون يتصل بعضها ببعض بواسطة حلقة , في بعض الأختام في هضبة الأناضول التركية ( عبدالنعيم 1995 – 421 ؛ Potts 1986 : 389-398 ) . و في الوقت نفسه عثر على بعض الأدوات الحجرية الناعمة في موقع « ماري » في سوريا مصنوعة من أحجار الكلوريت و الإستيتايت ( الحجر الصابوني ) التي جلبت عبر الطرق البرية من محاجر تبعد 150 – 200 ميل جنوب غرب مدينة الرياض . وقد صدر شرق الجزيرة العربية « دلمون » إلى سوريا النحاس و القصدير و الأحجار الكريمة و العاج و الأخشاب و التمور , إذ أوردت نصوص « إبيلا » السورية و التي تعود إلى الألف الثالث ق.م معلومات عن قوافل التجارة البرية التي كانت تربط شرق جزيرة العرب ووسطها بسوريا ( Potts 1986 : 39,339-391 : عبد النعيم 1995: 432 .
مع وادي النيل :
ساهمت الطرق البرية عبر جزيرة سيناء في إقامة علاقات تجارية وثيقة بين غرب الجزيرة العربية و شمالها الغربي و بين وادي النيل ( مصر ) , فالأدلة الأثرية تثبت وجود اتصال تجاري و حضاري بين الجزيرة العربية و المملكة المصرية القديمة خلال الألف الثالث قبل الميلاد , كما صورت في المقابر الملكية الفرعونية أشكال أقوام من الجزيرة العربية , في الفترة ما بين 2000 – 1500 ق . م . أما الجزيرة العربية فكانت تصدر المنسوجات إلى مصر خلال الألف الثاني فبل الميلاد , و يتضح ذلك من رسومات الأنوال التي ظهرت في الأطباق و الأختام المصرية (Groom 1981 : 33 ) . و يبدو ان أسباب التواصل التجاري بين مصر القديمة و الجزيرة العربية كون الأخيرة مصدرا لخام النحاس و البخور الذي كان ذا أهمية كبيرة في المعابد و التحنيط ( Hitti 1964 : 33 ) . وكان لسكان السواحل الشمالية للجزيرة العربية صلات مع مصر القديمة عبر الطرق البرية و البحرية ؛ يستدل على ذلك بنقش مصري من 1360 ق . م , إذا كان سكان شمال غرب الجزيرة العربية و سطاء مشاركين في التجارة البخور بين مصادر في جنوب الجزيرة العربية و بين المصريين ( Parr 1988 :84 ) .
طرق التجارية البحرية مع سواحل الخليج ( دلمون ) :
شاركت دلمون بنشاط ملحوظ في حركة التجارة العالمية بين شواطئ شرق الجزيرة العربية و الأقاليم المجاورة شمالا و جنوبا ، و كان وراء ذلك النشاط عوامل عديدة ، أهمها موقعها الإستراتيجي في منتصف الطريق التجاري تقريبا ، و امتلاكها مرافئ طبيعية محمية تتوافر فيها المياه الصالحة للشرب ( Cornwall 1944 : 24 ) و عبر هذه الموانئ كانت تصدر إلى وادي الرافدين النحاس و الأحجار الكريمة و العاج و اللازورد و الأواني الحجرية و التمر ، و بعض المصنوعات الفخارية المتميزة التي كانت توضع في المعابد و القبور الملكية ( Kohl 1986 : 374; Nayeem 1992 : 399 ) . كما كانت تستقبل سلعا مختلفة من بينها الزيت و السمسم و الأخشاب العطرية من دلمون , و أحجار الديورايت و النحاس من ماجان ( عمان و الأمارات ( Piesinger 1983 : 645 ) ) .
أما أهم سلع التجارة التي تستوردها دلمون من وادي الرافدين عبر الطرق البحرية فهي : المنسوجات و الصوف و الجلود و الشعير و الدقيق و الجبن و الزبد و المواشي ( Cornwall 1944 : 17 and Leemans 1960 : 116 , 19 ) .
و بسبب بعد المسافة بين دلمون ووادي الرافدين , فأن البضائع كانت تنقل بواسطة البحر , فاستخدام السفن في هذه التجارة دلت عليه شواهد و نصوص أثرية عديدة ؛ مثل نصوص أرنناشي و سرجون التي تشير إلى أن سفن دلمون كانت ترسو في مرافئ أكاد ( Kramer 1964 :48 ) و صورت السفن التي تبحر إلى وادي الرافدين في الأختام الدلمونية أيضا. و كان الطريق البحري يتبع الساحل الغربي للخليج العربي كما يتضح من العديد من المواقع الساحلية لحضارة دلمون ( Oppenheim 1954 :15 ) .
و من جهة أخرى كان لجزيرة تاروت دورها المهم في تجارة الساحل الشرقي للجزيرة العربية . و كانت محورا مهما للتبادل التجاري بين مختلف مناطق الخليج . كما كانت مركزا لإنتاج السلع و بخاصة أواني الحجر الصابوني ( Zarins 1978 : 86-72 سعد 1991 : 230-231 ) .
أما طريق التجاري على امتداد ساحل الخليج الجنوبي الشرقي , حيث ازدهرت حضارة ماجان القديمة , فقد كان له دور بارز في التجارة مع وادي الرافدين و فارس شمالا. و في الوقت نفسه يقدم هذا الطريق البحري خدمات تجارية مهمة إلى بلوخستان ووادي الإندوس ( السند ) جنويا . و تجدر الإشارة إلى أن هناكطريقا بحريا آخر يتمد من وادي النيل , عبر البحر الأحمر و باب المندب إلى وادي الرافدين مرورا بالقطاع الجنوبي الشرقي من الخليج ( Nayeem 1994 :287 ) , و هذا الطريق يشارك في العمل فيه و نقل تجارته سكان الجزيرة العربية حسب المناطق التي تمر بها التجارة .
و يعد النحاس الذي كان يعدن في أماكن عدة في ماجان منذ الألف الثالث قبل الميلاد , أهم السلع التي تنقل من هذه البلاد إلى وادي الرافدين
مع شبة القارة الهندية :
تميز ساحل الجزيرة العربية الشرقي بصلات تجالرية و حضارية وثيقة مع الهند منذ حقبة ما قبل التاريخ المتأخر . و كان النقل البحري حلقة الوصل الرئيسية لذلك التواصل التجاري , حيث تواصلت علائق الجزيرة العربية بشبة القارة الهندية عبر البحر منذ الألف الثالث قبل الميلاد , و ربما قبل ذلك . و كانت السفن تحمل إلى الهند الكثير من السلع . فهناك الأختام الخليجية التي صنعت في المراكز التجارية في الجزيرة العربية , و التي وجدت في غرب الهند بكميات قليلة مما يرجح الاحتمال بأن مصدرها هو شبة الجزيرة العربية ( Bibby 1969 :187 ; Wheeler 1959 : 278 ) . و هناك الأخشاب التي كانت تصدر من دلمون , و النحاس و أحجار الديورايت من ماجان 0 عمان و الإمارات ) , فضلا عنى الأحجار الكريمة , و هناك الاواني الحجرية و الذهب و العاج و المواشي التي كانت تصدر إلى الهند من مراكز عديدة في هذه المنطقة ( Ratnagar 1981 : 23-70 ) .
و في المقابل كان شرق الجزيرة يستورد عددا من السلع التجارية من الهند , و تضم قائمة السلع المستوردة حجر اللازورد الذي كان يستورد خاما من وادي السند , و عثر عليه في مناطق متفرقة من ساحل الجزيرة العربية و لا سيما في جزيرة تاروت في شرق المملكة العربية السعودية ( Zarins 1978 :78 ) , كما كانت تستورد الموازين و المقاييس و الخرز و سلع أخرى . و قد وجدت أعداد وفير من الخرز المشغول في مدافن الظهران في المنطقة الشرقية للمملكة , بل عثر في دولة الإمارات العربية المتحدة في بعض المواقع على خرز العقيق الأحمر من مشغولات زادي هارابا في الباكستان , مؤرخة للألف الثالث قبل الميلاد ( Bibby 1969 : 187 ; Ratnagar 1981: 94 ) .
مع وادي النيل
كان لساحل الجزيرة العربية علاقات وطيدة مع ساحل أفريقياالشمالي عبر البحر الأحمر . ففي أوائل القرن الخامس عشر قبل الميلاد أرسلت الملكة المصرية حتشبسوت أسطولا في رحلة تجارية عبر البحر الأحمر . كما حفزت قناة ربطت النيل بخليج السويس , و احتفظت مصر لنفسها بأسطول تجاري في مياه البحر الأحمر يسير بمحاذاة الساحل الغربي للبحر الأحمر و لا يخرج لأعالي البحار .
و في فترة لاحقة ربطت الجزيرة العربية بطريق بحري عبر خليج السويس , و كان الهدف منه الاستفادة من خامات النحاس التي كانت تعدن في الجانب الغربي من شبة الجزيرة العربية . و كان لهذا الطريق دور مهم في ربط مصر بغرب الجزيرة تجاريا و ثقافيا , كما تفرعت منه طرق أخرى ربطت الأخيرة ببلاد مابين النهرين و الخليج شرقا و اليمن و حضرموت جنوبا ( O’Leary 1927 : 27-37 ؛ عبدالنعيم 1995 : 423 - 424 ) .
يتبع