زمردة النيل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
زمردة النيل

منتدانا يهتم بالتاريخ والفن والثقافه وكل ما هو جديد من العلوم


    تاريخ النقل والتجاره بالجزيره العربيه منذ العصر الحجرى وحتى الاسلام

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 297
    تاريخ التسجيل : 18/10/2010

    تاريخ النقل والتجاره بالجزيره العربيه منذ العصر الحجرى وحتى الاسلام  Empty تاريخ النقل والتجاره بالجزيره العربيه منذ العصر الحجرى وحتى الاسلام

    مُساهمة  Admin الإثنين سبتمبر 12, 2011 10:02 pm

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    هذا الموضوع منقول من الكتاب المئوى من موقع وزارة النقل السعوديه


    العصور القديمه

    لم تكن الجزيرة العربية تعيش في عزلة خلال العصور القديمة , فقد كانت على إتصال وطيد بجيرانها , بحكم موقعها الجغرافي , وكانت محصلة هذه العلاقات والإتصالات تأثيرات ومؤثرات فاعلة , حيث أخذت منها الأمم المجاورة وأعطتها العديد من أساليب حياتها . وقد تحققت هذه الإتصالات بأساليب متعددة أبرزها العلاقات التجارية المتبادلة التي كان للطرق البرية والبحرية دور أساسي فيها . ومن هنا يمكن القول بـأن طرق التجارة البرية والبحرية شكلت أقدم أساليب المواصلات والإتصالات في الجزيرة العربية , حيث غطت الجزيرة العربية شبكة من الطرق ربطتها بالأقاليم المجاورة منذ عصور ماقبل التاريخ. ثم زادت أهمية هذه الطرق وعظم حجمها وتأثيرها خلال العصور المتعاقبة . وفي هذه المبحث نتحدث عن طرق التجارة في الجزيرة العربية في عصر ماقبل التاريخ وفجره , وفي الحقبة التي سبقت ظهور الإسلام .


    أ- طرق التجارة في الجزيرة العربية في عصور ما قبل التاريخ وفجره

    كان للجزيرة العربية في عصور ماقبل التاريخ علاقات تجارية وبحرية مع وادي الرافدين و وادي النيل وفارس والهند وحوض البحر المتوسط . وكان سكان الجزيرة العربية في تلك الفترة يرون الطرق البرية أكثر أمنا من الرحلات البحرية


    أهميتها

    قامت الطرق التجارية من الجزيرة العربية وجيرانها بدور كبير في قولبة أنظمتها الحضارية والدينية خلال حقبة ماقبل التاريخ وفجره. وتشير المعثورات الفخارية التي كانت ضمن السلع التجارية في مواقع حضارات العبيد (6000 - 5000ق.م ) على إمتداد الساحل الشرقي للجزيرة العربية إلى صلات وثيقة بمراكز حضارية مع المناطق المجاورة . وهناك فخار العبيد الأحمر ذو العجينة المخلوطة بالقش والتبن , والذي وجد في عدة مواقع على امتداد ساحل الخليج , منها موقع الدوسرية الذي يقع على مسافة 12 كيلا جنوب شرق مدينة الجبيل الصناعية(Oates 1986 : 86 ).


    شرق الجزيرة العربية :

    يلاحظ أن التبادل التجاري عبر الطرق البرية أو البحرية في هذه المنطقة من الخليج يظهر في شكل آليات إجتماعية – حضارية أكثر من كونه علاقات إقتصادية صرفة. وربما كانت المنتجات والموجودات البحرية كاللؤلؤ والمحار من أقدم سلع التبادل التجاري في شمال شرق الجزيرة العربية. ومما لاشك فيه أن الثروات البحرية للجزيرة العربية أدت دورا مهما في تشكيل نظمها الدينية والإقتصادية والحضارية ,خلال الحقب المختلفة لعصر ماقبل التاريخ . ونتيجة لذلك يرى البعض بأن تزامن نهاية مظاهر حضارة العبيد . وبخاصة موجوداتها المتميزة , مع إختفاء مستوطناتها في شمال شرق الجزيرة العربية يؤخذان مؤشرا على تحول إستيطاني وحضاري باتجاه جنوب بلاد الرافدين , أدت الطرق التجارية , عملية التواصل الحضاري دورا مهما في تشكيله. ونجم عن ذلك هجرات متوالية من شرق الجزيرة العربية باتجاه الإقليم الجنوبي لبلاد الرافدين .وهذه الفرضية يؤيدها التغير الفجائي في نظام المستوطنات في جنوب بلاد الرافدين في نهاية حقبة حضارة العبيد (Masry 1974 : 197 ).

    وكانت المجموعات السكانية ذات العلاقة العرقية بشرق الجزيرة العربية تمثل عنصرا مهما في البنية السكانية لجنوب بلاد الرافدين , وربما يفسر ذلك الأهمية الكبيرة لدلمون ومعبوداتها في الأساطير الدينية السومرية في وادي الرافدين . وعززت هذه العلائق التجارية الروابط الدينية والفكرية بين دلمون وسومر , وقد اعتبرت جزيرة تاروت للمنطقة الشرقية العاصمة التجارية لدولة دلمون ( Piesinger 1983 : 838).

    وأدى التداخل التجاري والحضاري , فضلا عن التقارب الجغرافي بين دلمون وبلاد الرافدين , إلى أن تحاول الأخيرة ممارسة شكل من الوصاية السياسية عليها في بعض الفترات التاريخية . إذ نجد أن الملك تكلتي – نينورتا الأول لايكتفي بتلقيب نفسه ملكا على آشور وسومر وأكاد فحسب , بل يضيف إلى ذلك بأنه ملك دلمون وميلوخا .


    جنوب شرق الجزيرة العربية

    كان لماجان علاقات عبر البحر مالرافدين تجاوزت الصلات التجارية والإقتصادية إلى التأثير الديني وتشير الأسطورة السومرية ( إنكىونينهو-ساج ) إلى أن إسم المعبود الرئيسي في ماجان المدعو(لت-نينولتا) كان أسما سومريا. وكان الشعراء والكتاب السومريون يتباهون بأن معبودهم ( إنكى ) هو الذي اختار ( لت-نينولتا ) معبودا لما جان (Karmer 1963 : 277 ).

    وتواصلت علاقات ماجان التجارية والثقافية مع العديد من المراكز الحضارية المجاورة في فارس مثل تب يحي وبامبر وشاري وسوفتا وغيرها , ونتج عن هذه العلاقات وجود قواسم مشتركة فنية وصناعية تمثلت بشكل واضح في فخاريات بامبر الرمادية اللون , والتي وجدت في العديد من المواقع مثل : هيلي وأم النار في دولة الإمارات العربية المتحدة . وكان للطريق البري عبر واحة البريمي أهمية كبيرة في التواصل التجاري والحضاري بين هذه المنطقة وبقية أجزاء الخليج العربي (Nayeem 1994:287 ).


    غرب الجزيرة العربية :

    نجم عن التواصل التجاري بين غرب الجزيرة العربية ووادي النيل , عبر طريق شبه جزيرة سيناء البري خلال حقبة ماقبل التاريخ وفجره , تأثير حضاري متبادل , يظهر بشكل جلي في فن الرسوم والنقوش الصخرية . وقد تم إكتشاف بعض الرسومات الصخرية في موقع جبة بشمال المملكة تشابه تلك التي تم إكتشافها في إحدى المقابر المصرية والتي يرجع تاريخها إلى (Zarins et al 1982:25-343000ق.م ). وتصف إحدى اللوحات الجدارية المعروفة بإسم ( أبيشا فرسكو ) زيارة أحد زعماء القبائل في شمال غرب الجزيرة العربية إلى مصر بمعية مجموعة من قومه. وفضلاً عن ذلك , فإن أساليب فن الرسوم الصخرية (التخطيط الرفيع والحفر الغائر) المعروفة في مواقع عدة قرب بيشة بجنوب غرب المملكة العربية السعودية لها مايماثله في مصر في بعض المواقع في وادي النيل مثل كوم أمبو Anati 1972:98-111


    طرق التجارة البرية مع وادي الرافدين و فارس :

    كان شرق الجزيزة العربية يسمى دلمون ( Dilmon ) و يشمل جزيرة فيلكاو البحرين و شرق المملكة العربية السعودية جنوبا . و قد كان لهذا الجزء ، من خلال الألف الثالث قبل الميلاد ، دور نشط في مجال التبادل التجاري و التعامل الاقتصادي و تبادل الثأثيرات الدينية و الحضارية بين العديد من المناطق ؛ فقد كانت دلمون نقطة التقاء و اتصال متبادل بين البر الرئيسي لساحل الجزيرة العربية الشرقي و مجموعة التجارة الاجنبية في جزيرة البحرين ( 143 – 145 : Masry 1974 ) . و هناك أدلة أثرية توضح استخدام الطرق البرية للقوافل بين دلمون وأواسط وادي الرافدين كما تشير الى ذلك نصوص « ماري » السورية ( 1954 : 4 Oppenheim ) ، كما تواصلت علاقات الجزيرة العربية التجارية مع الفارس عبر الطريق البري لواحة البريمي ، فالموجوادت التي عثر عليها في كل مكان من مواقع : تبيحي ، وبامبر و غيرها في ايران لها ما يناظرها في مواقع هيلي و أم النار في دولة الامارات العربية المتحدة ( Nayaeem 1994 : 287 ) .

    و توحي السلع التي عثر عليها في العديد من مقابر التلال في أجزاء متفرقة من شبة الجزيرة العربية بوجود حركة تجارية نشطة منذ العصر البرونزي ( 2400 – 1800 ق . م ) ؛ فقد كشفت التنقيبات الاثرية لمدافن التلال الركامية في الجزيرة العربية – لا سيما في مدافن جنوب الظهران و اللربع الخالي بالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال ، و مدافن سار الجسر و أم علي بالبحرين – عن وجود مجموعات متفرقة من الحجر الصابوني و الخرز و الأواني الزجاجية و الأحجار الكريمة و الأواني النحاسية كانت ضمن سلع التبادل التجاري بين ساحل الجزيرة العربية الشرقي و برها الداخلي ( Bibby 1973 : 52-55 ) .

    أدت جزيرة تاروت في شرق المملكة دورا حيويا في فترة فجر عصر الكتابة ، و الفترة الثالثة لفجر عصر السلالات . و خلال فترة أكاد – أور الثالثة / إسن لارسا انتقل مركز النشاط التجاري منها إلى جزيرة البحرين لأسباب جيوسياسية معقدة . و كما هو مثبت في مدافن الظهران التي تتزامن مع تلك الحقبة التاريخية ، فإن ساحل الجزيرة العربية الشرقي استمر في ربط المناطق الداخلية للجزيرة بحركة التجارة الدولية ( Frohlich et.al 1985 : 9-27 ) و تشير الوثائق الادارية التي ترجع إلى فترة السلالة الأولى في لاجاش – حوالي 2500 ق . م إلى اتصالات تجارية بين دلمون و بلاد ما بين النهرين ( دولة سومر ) . وكان التمر الذي يجلب من واحات القطيف و الهفوف في شرق المملكة العربية السعودية أكثر السلع تداولا و أهم سلع التصدير فس شرق الجزيرة العربية في تلك الأزمنة ( Cornwall 1984 : 137-139 and Speece 1984 : 167-176 ) .

    و قد سلطت فنون الرسوم و النقوش الصخرية التي وجدت في إماكن متفرقة من المملكة الضوء على جوانب من الحياة الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية لإنسان ماقبل التاريخ خلال فترة العصر الحجري الحديث ، بوصفها مرآة للتواصل التجاري و الثقافي و الحضاري الذي ساد عبر الطرق البرية و البحرية أكثر من كونها تمثل تشابها أو تماثلا حضاريا أفرزته المصادفة المحضة (Anati 1968 ; Zarins 1982 and khan 1988 ) .


    مع إقليم البحر المتوسط :

    أقامت الجزيرة العربية علاقات تجارية وطيدة مع منطقة البحر المتوسط الشرقية منذ عصور ما قبل التاريخ , خصوصا مع سوريا ( بلاد الشام ) . و من الأدلة على هذه العلاقة وجود عدد وافر من الأختام السورية الأسطوانية الشكل ، في العديد من مناطق الخليج لكونها المنطقة التي نالت حظا لأوفر في مجال النقيب الأثري . و قد وجد نمط زخرفي من الأختام الخليجية يتألف من ستة أعناق لحيوانات ذات قرون يتصل بعضها ببعض بواسطة حلقة , في بعض الأختام في هضبة الأناضول التركية ( عبدالنعيم 1995 – 421 ؛ Potts 1986 : 389-398 ) . و في الوقت نفسه عثر على بعض الأدوات الحجرية الناعمة في موقع « ماري » في سوريا مصنوعة من أحجار الكلوريت و الإستيتايت ( الحجر الصابوني ) التي جلبت عبر الطرق البرية من محاجر تبعد 150 – 200 ميل جنوب غرب مدينة الرياض . وقد صدر شرق الجزيرة العربية « دلمون » إلى سوريا النحاس و القصدير و الأحجار الكريمة و العاج و الأخشاب و التمور , إذ أوردت نصوص « إبيلا » السورية و التي تعود إلى الألف الثالث ق.م معلومات عن قوافل التجارة البرية التي كانت تربط شرق جزيرة العرب ووسطها بسوريا ( Potts 1986 : 39,339-391 : عبد النعيم 1995: 432 .


    مع وادي النيل :

    ساهمت الطرق البرية عبر جزيرة سيناء في إقامة علاقات تجارية وثيقة بين غرب الجزيرة العربية و شمالها الغربي و بين وادي النيل ( مصر ) , فالأدلة الأثرية تثبت وجود اتصال تجاري و حضاري بين الجزيرة العربية و المملكة المصرية القديمة خلال الألف الثالث قبل الميلاد , كما صورت في المقابر الملكية الفرعونية أشكال أقوام من الجزيرة العربية , في الفترة ما بين 2000 – 1500 ق . م . أما الجزيرة العربية فكانت تصدر المنسوجات إلى مصر خلال الألف الثاني فبل الميلاد , و يتضح ذلك من رسومات الأنوال التي ظهرت في الأطباق و الأختام المصرية (Groom 1981 : 33 ) . و يبدو ان أسباب التواصل التجاري بين مصر القديمة و الجزيرة العربية كون الأخيرة مصدرا لخام النحاس و البخور الذي كان ذا أهمية كبيرة في المعابد و التحنيط ( Hitti 1964 : 33 ) . وكان لسكان السواحل الشمالية للجزيرة العربية صلات مع مصر القديمة عبر الطرق البرية و البحرية ؛ يستدل على ذلك بنقش مصري من 1360 ق . م , إذا كان سكان شمال غرب الجزيرة العربية و سطاء مشاركين في التجارة البخور بين مصادر في جنوب الجزيرة العربية و بين المصريين ( Parr 1988 :84 ) .


    طرق التجارية البحرية مع سواحل الخليج ( دلمون ) :

    شاركت دلمون بنشاط ملحوظ في حركة التجارة العالمية بين شواطئ شرق الجزيرة العربية و الأقاليم المجاورة شمالا و جنوبا ، و كان وراء ذلك النشاط عوامل عديدة ، أهمها موقعها الإستراتيجي في منتصف الطريق التجاري تقريبا ، و امتلاكها مرافئ طبيعية محمية تتوافر فيها المياه الصالحة للشرب ( Cornwall 1944 : 24 ) و عبر هذه الموانئ كانت تصدر إلى وادي الرافدين النحاس و الأحجار الكريمة و العاج و اللازورد و الأواني الحجرية و التمر ، و بعض المصنوعات الفخارية المتميزة التي كانت توضع في المعابد و القبور الملكية ( Kohl 1986 : 374; Nayeem 1992 : 399 ) . كما كانت تستقبل سلعا مختلفة من بينها الزيت و السمسم و الأخشاب العطرية من دلمون , و أحجار الديورايت و النحاس من ماجان ( عمان و الأمارات ( Piesinger 1983 : 645 ) ) .

    أما أهم سلع التجارة التي تستوردها دلمون من وادي الرافدين عبر الطرق البحرية فهي : المنسوجات و الصوف و الجلود و الشعير و الدقيق و الجبن و الزبد و المواشي ( Cornwall 1944 : 17 and Leemans 1960 : 116 , 19 ) .

    و بسبب بعد المسافة بين دلمون ووادي الرافدين , فأن البضائع كانت تنقل بواسطة البحر , فاستخدام السفن في هذه التجارة دلت عليه شواهد و نصوص أثرية عديدة ؛ مثل نصوص أرنناشي و سرجون التي تشير إلى أن سفن دلمون كانت ترسو في مرافئ أكاد ( Kramer 1964 :48 ) و صورت السفن التي تبحر إلى وادي الرافدين في الأختام الدلمونية أيضا. و كان الطريق البحري يتبع الساحل الغربي للخليج العربي كما يتضح من العديد من المواقع الساحلية لحضارة دلمون ( Oppenheim 1954 :15 ) .

    و من جهة أخرى كان لجزيرة تاروت دورها المهم في تجارة الساحل الشرقي للجزيرة العربية . و كانت محورا مهما للتبادل التجاري بين مختلف مناطق الخليج . كما كانت مركزا لإنتاج السلع و بخاصة أواني الحجر الصابوني ( Zarins 1978 : 86-72 سعد 1991 : 230-231 ) .

    أما طريق التجاري على امتداد ساحل الخليج الجنوبي الشرقي , حيث ازدهرت حضارة ماجان القديمة , فقد كان له دور بارز في التجارة مع وادي الرافدين و فارس شمالا. و في الوقت نفسه يقدم هذا الطريق البحري خدمات تجارية مهمة إلى بلوخستان ووادي الإندوس ( السند ) جنويا . و تجدر الإشارة إلى أن هناكطريقا بحريا آخر يتمد من وادي النيل , عبر البحر الأحمر و باب المندب إلى وادي الرافدين مرورا بالقطاع الجنوبي الشرقي من الخليج ( Nayeem 1994 :287 ) , و هذا الطريق يشارك في العمل فيه و نقل تجارته سكان الجزيرة العربية حسب المناطق التي تمر بها التجارة .

    و يعد النحاس الذي كان يعدن في أماكن عدة في ماجان منذ الألف الثالث قبل الميلاد , أهم السلع التي تنقل من هذه البلاد إلى وادي الرافدين


    مع شبة القارة الهندية :

    تميز ساحل الجزيرة العربية الشرقي بصلات تجالرية و حضارية وثيقة مع الهند منذ حقبة ما قبل التاريخ المتأخر . و كان النقل البحري حلقة الوصل الرئيسية لذلك التواصل التجاري , حيث تواصلت علائق الجزيرة العربية بشبة القارة الهندية عبر البحر منذ الألف الثالث قبل الميلاد , و ربما قبل ذلك . و كانت السفن تحمل إلى الهند الكثير من السلع . فهناك الأختام الخليجية التي صنعت في المراكز التجارية في الجزيرة العربية , و التي وجدت في غرب الهند بكميات قليلة مما يرجح الاحتمال بأن مصدرها هو شبة الجزيرة العربية ( Bibby 1969 :187 ; Wheeler 1959 : 278 ) . و هناك الأخشاب التي كانت تصدر من دلمون , و النحاس و أحجار الديورايت من ماجان 0 عمان و الإمارات ) , فضلا عنى الأحجار الكريمة , و هناك الاواني الحجرية و الذهب و العاج و المواشي التي كانت تصدر إلى الهند من مراكز عديدة في هذه المنطقة ( Ratnagar 1981 : 23-70 ) .

    و في المقابل كان شرق الجزيرة يستورد عددا من السلع التجارية من الهند , و تضم قائمة السلع المستوردة حجر اللازورد الذي كان يستورد خاما من وادي السند , و عثر عليه في مناطق متفرقة من ساحل الجزيرة العربية و لا سيما في جزيرة تاروت في شرق المملكة العربية السعودية ( Zarins 1978 :78 ) , كما كانت تستورد الموازين و المقاييس و الخرز و سلع أخرى . و قد وجدت أعداد وفير من الخرز المشغول في مدافن الظهران في المنطقة الشرقية للمملكة , بل عثر في دولة الإمارات العربية المتحدة في بعض المواقع على خرز العقيق الأحمر من مشغولات زادي هارابا في الباكستان , مؤرخة للألف الثالث قبل الميلاد ( Bibby 1969 : 187 ; Ratnagar 1981: 94 ) .


    مع وادي النيل

    كان لساحل الجزيرة العربية علاقات وطيدة مع ساحل أفريقياالشمالي عبر البحر الأحمر . ففي أوائل القرن الخامس عشر قبل الميلاد أرسلت الملكة المصرية حتشبسوت أسطولا في رحلة تجارية عبر البحر الأحمر . كما حفزت قناة ربطت النيل بخليج السويس , و احتفظت مصر لنفسها بأسطول تجاري في مياه البحر الأحمر يسير بمحاذاة الساحل الغربي للبحر الأحمر و لا يخرج لأعالي البحار .

    و في فترة لاحقة ربطت الجزيرة العربية بطريق بحري عبر خليج السويس , و كان الهدف منه الاستفادة من خامات النحاس التي كانت تعدن في الجانب الغربي من شبة الجزيرة العربية . و كان لهذا الطريق دور مهم في ربط مصر بغرب الجزيرة تجاريا و ثقافيا , كما تفرعت منه طرق أخرى ربطت الأخيرة ببلاد مابين النهرين و الخليج شرقا و اليمن و حضرموت جنوبا ( O’Leary 1927 : 27-37 ؛ عبدالنعيم 1995 : 423 - 424 ) .



    يتبع
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 297
    تاريخ التسجيل : 18/10/2010

    تاريخ النقل والتجاره بالجزيره العربيه منذ العصر الحجرى وحتى الاسلام  Empty رد: تاريخ النقل والتجاره بالجزيره العربيه منذ العصر الحجرى وحتى الاسلام

    مُساهمة  Admin الإثنين سبتمبر 12, 2011 10:04 pm

    ب – طرق التجارة فى الجزيره العربيه فى عصور ما قبل الأسلام

    أدت الطرق التجارية دورا بارزاً في حياة سكان شبة الجزيرة العربية في الفترات التاريخية التي سبقت الإسلام . و كانت هذه الطرق عاملا كبيرا من عوامل نشاة المدن و الممالك في شمال الجزيرة العربية و جنوبها . و تجدر الإشارة هنا إلى أن الطرق البرية كانت أوضح تاثيرا في تفاعل القبائل العربية و تكوين الممالك من الطرق البحرية . و يمكن أن نهتدي إلى الطرق البرية و معرفتها بمعالم , أهمها : وجود مدن ذات إرتباط تاريخي في منطقة من المناطق , و في خط يغلب أن يكون خطا متصلا ً, و مثاله الطريق التجاري بين جنوبي الجزيرة العربية و شمالها . و هناك عالمة أخرى نتعرف بها على الطريق البري و هي كثرة النقوش أو الكتابات , و بخاصة كتابات المسند و ما تفرع منها مما كتبه بعض الحكام أو الولاة وله مفهوم تاريخي يلقي ضوءا على بعض الجوانب الحضارية , سواء ما اتصل منها بالجانب السياسي أو الاجتماعي أو اللغوي .


    أهميتها :

    إستفادات الجزيرة العربية من الانتعاش الاقتصادي الذي عاشته , بفضل شبكة الطرق التجارية البرية و البحرية بين كافة أجزائها و بينها و بين الأمم المجاورة , خلال فترات مختلفة من حقبة ما قبل لإسلام ، فاستغلت ثرواتها المالية و التجارية في الموارد الزراعية . و كانت نتيجة ذلك إزدهارا اقتصادياً تجلى في بناء السدود للاستفادة من مياه الأودية و السيول ؛ و لعل من أهمها سد مأرب . وكان لكل دولة نظام اقتصادي ينظم شؤنها . كما أدت الطرق و المنافذ التجارية البرية و البحرية إلى تغييرات أساسية في البنية السياسية للمجتمع العربي قبل الإسلام . فلم يقتصر التكوين القبلى على القبلية وحدها . إنما تجاوزها الى نظام الاتحادات القبلية التي يتكون كل منها من مجموعة من القبائل لها رئيس أو زعيم عرف باسم الملك . و بدأت تلك التجمعات تظهر على مسرح الأحداث بصورة واضحة منذ القرن العاشر قبل الميلاد . و كان الهدف الأساسي لهذه السياسة القبلية حماية طرق التجارة من الأخطار الخارجية التي تهددها . و من الأمثلة على ذلك ما ذكرته المصادر الآشورية التي ترجع إلى شلمنصر الثالث ( 824 – 858 ق.م ) و التي تشير إلى معارك دارت بينه و بين ( جندبو ) ملك العرب الذي كون مع عدد من الملوك الآراميين حلفا لرد الهجوم الآشوري في موفعة قرقر ( يحيى 1984 : 92 ) .


    و كان لوجود الطرق التجارية القديمة في الجزيرة العربية , وما صاحبها من تداخل ثقافي و اجتماعي ، دور أساسي في إيجاد تراث ديني مشترك لعرب الجزيرة العربية جنوبها و شمالها . و تشير اتلأدلة الآثارية إلى أن معبودات عرب جنوب الجزيرة مثل إل , وود ، ونكرح ، وعشتر ، و كهل كانت ضمن معبودات عرب الشمال : الديدانيين و اللحيانيين و الثموديين و الصفويين . و من جهة أخرى فقد كانت معبودات عرب الشمال الجزيرة العربية ، و على رأسها ذو غابة المعبود الرئيسي للحيانيين ، و تعبد عند عرب الجنوب المعينيين (الانصاري 1984 : 14 ).

    و تسير الأصنام التي عبدها العرب قبل الإسلام بمختلف أشكالها و أنواعها إلى بعض التأثيرات الفكرية و الدينية الوافدة إليهم من بلاد الرافدين ، و من الحضارات المصرية و الهيلينستية و الرومانية و الفرثية ، و التي تجمعت من خلال التواصل و التداخل التجاري و الاقتصادي بين العرب و أهل تلك الأمصار ، عبر شبكة واسعة من الطرق البرية و البحرية .

    و عبر الطرق التجارية انتقلت الكتابة و خط المسند . و الخط الآرامي النبطي فكان لذلك أثر كبير في ثقافة الجزيرة العربية . فالقلم المسند كان قلم الرسمي الذي عبر به أهل الجزثرة العربية ، شمالها و جنوبها ، في حقبة ما قبل الإسلام ، فكتبت به ممالك سبأء و معين و قتبان و حضرموت و أوسان و حمير ، و انتشر أيضا قي الشمال ، فكتب به الديدانيون و اللحيانيون في العلاء ، كما كتب به أرباب القوافل و سكان البادية فيما سمي خطأ بالكتابات الثمودية و الصفوية . و قد استطاعت المنافذ التجارية الشمالية أن تنقل معها القلم الآرامي – النبطي و التدمري الذي وجد في مناطق متفرقة في شمال الجزيرة العربية و وسطها ، كما نقلت أيضاء القلم الآرامي – البهلوي الذي وجد في أختام وأوزان البرونز ، كتلك المكتشفة في موقع « قرية » الفاو ( الأنصاري 1982 :23 ) .

    و من جهة أخرى فقد كانت بعض الأسواق التي أقميت على امتداد طرق التجارة البرية مراكز للثقافة و منتديات للشعر في الجزيرة العربية مثل أسواق عكاظ ، و1دي مجنة ، وذي مجاز ، ودومة الجندل ، و المشقر ، و الشحر ، و حضرموت ، و عدن ، و صنعاء ، و دارة جلجل . و قد ذاع صيت هذه الأسواق و ارتبطت بفحول الشعراء في العصر الجاهلي .


    طرق التجارة البرية

    أدت طرق التجارة البرية دوراً مهماً في إزدهار حضارات شمال الجزيرة العربية وجنوبها , إذ ربطت إنتاج البخور في جنوب الجزيرة العربية وماورائها بأسواقه في شرقها على الخليج العربي وبلاد الرافدين ومنطقة حوض البحر المتوسط ووادي النيل . وكان للبخور أهمية قصوى في المناسبات والطقوس الدينية , وفي مراسم دفن الموتى بل كان يدخل أيضاً في صناعة العديد من الأدوية . وبالإضافة إلى البخور جابت القوافل فيافي الجزيرة العربية وقفارها حاملة البضائع الكمالية من دول شرق آسيا , وقد شملت الحرير والملابس الناعمة والأحجار الكريمة , حيث كانت تحمل إلى موانئ جنوب الجزيرة العربية وشرقها ( Beek 1985:35-42 ؛ Doe 1971:51-52 ؛ السعود1996 : 99-103).

    ولعل من أهم العوامل التي ساعدت على تطوير حركة النقل التجاري في الجزيرة العربية وإزدهارها إستئناس الجمل في حوالي الألف الثاني قبل الميلاد فساعد ذلك على سرعة التنقل عبر السهول والوهاد المترامية الأطراف ( ا Groom 1981:34).

    الطريق الذي يبدأ من قنأ بحضرموت , ويتفرع منه فرعان يبعد احدهما عن الآخر بحوالي 160 ميلاً , يتجه الأول شرقاً على إمتداد وادي ميفعة ومنه إلى شبوة .ويتجه الفرع الثاني من قنأ إلى وادي حجر , ثم يمر بوادي أرماح الذي يسقي شبوة , ومن شبوة يتجه الطريق نحو عدن ثم يواصل إلى نجران
    Bowen 1958:35-42; Groom 1981:165-188)


    ومن نجران يتجه الطريق شمالاً بشرق إلى وادي الدواسر ويمر بقرية الفاو ثم الأفلاج فاليمامة (الخرج) , حيث يتفرع منه طريقان آخران , أحدهما يتجه شرقاً نحو الخليج العربي والآخر شمالاً صوب بلاد الشام (الأنصاري1975:76 Brice 1984:178 ; ).

    الطريق الثاني يبدأ من الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية حيث ممالك سبأ ومعين وحمير وأوسان وقتبان , ويتجه نحو الشمال مخترقاً الحدود الشمالية لمنطقة سبأ , ثم يتخذ بعد ذلك شكل ممر ضيق يقع في أرض المعينين , ثم يستمر الطريق شمالاً إلى ديدان( العلا الحالية ) ثم إلى مدين( البدع حالياً ). ولاتزال هناك آثار شاخصة تومئ إلى حياة الرفاهية والثروة الكبيرة التي كانت تتمتع بها هاتان المدينتان . ومن مدين يواصل الطريق مسيره إلى أيلة( العقبة حاليا ً) ثم بعد ذلك إلى البتراء عاصمة دولة الأنباط , ثم يتفرع إلى فرعين , أحدهما يتجه إلى تدمر في الشمال , والآخر يتجه صوب الغرب مع ميل خفيف بإتجاه الشمال الغربي حيث يصل إلى غزة على الشاطئ الفلسطيني ( يحيى1979 : 314 - 315 ) وعلى هذا الطريق كانت تسير قوافل قريش قبل الإسلام في رحلتيها المشهورتين , إحداهما في الشتاء إلى اليمن والأخرى في الصيف إلى الشام(السعود1996 : 101).


    والطريق الثالث هو الذي يأتي من منطقة حضرموت وعمان ويتجه إلى واحة يبرين عبر الحافة الشرقية للربع الخالي , ثم يواصل إلى الجرهاء على الخليج , فالعراق , ويتجه من يبرين إلى اليمامة حيث يلتقي بفروع الطريق الغربي المتجه إلى بلاد الشام ( يحيى1979 : 317-318 ؛ السعود 1996 : 101 ).


    والطريق الرابع يخترق الجزيرة العربية شمالاً بشرق حيث يبدأ من مكة وينتهي بوادي الرافدين , واشتهر بإسم درب الحيرة. ولاتزال هناك آثار شاخصة لهذا الطريق , الذي أصبح طريقاً رئيسياً للحج والتجارة في صدر الإسلام وعرف بإسم درب زبيدة ( يحيى1979 : 318 - 319).


    وهذا الحديث عن الطرق التجارية يقودنا للحديث عن أهم الدول والقبائل التي إستخدمت هذه الطرق التجارية البرية . ولعل من أهمها دولتي سبأ ومعين في جنوب الجزيرة العربية , اللتين إمتد نفوذهما إلى شمال الجزيرة في بعض فترات التاريخ . وقد بلغت سبأ شأناً كبيراً في مضمار التجارة , بسبب إستغلالها للطرق الكبرى وبسط نفوذها المباشر وغير المباشر عليها . وكذلك فعلت دولة معين وهي معاصرة لسبأ . وفي الوقت ذاته فإن دولتي حضرموت وقتبان إستعملتا الطريق البري والبحري , بحكم موقعها الجغرافي . وقد تحدثت التوراة والكتب اليونانية والرومانية كما تحدث القرآن الكريم عن مستوى الرفاهية والبذخ الذي كانت تعيش فيه دولة سبأ . وكانت سبأ تتاجر بسلع ذات قيمة مثل : الذهب والفضة والأحجار الكريمة والتمور والبخور , مع بلاد الشام والرافدين (الأنصاري 1975 : 76 ).

    وهناك واحة العلا ( ديدان ) والتي تقع شمال المدينة المنورة وتبعد عنها حوالي ثلاثمائة وخمسين كيلاً . ويرجع تاريخ حضارة هذه المنطقة إلى ماقبيل القرن السادس قبل الميلاد . وقد تحدث العلماء عن الفترة الأولى وأطلقوا عليها إسم ديدان , وجعلوا فترة حكمها تمتد من نهاية القرن السابع حتى بداية القرن الخامس قبل الميلاد واعتمدوا في ذلك على تكرر لقب ملك ددن في بضعة نقوش , ثم أصبحت مملكة لحيان هي المسيطرة منذ القرن الخامس قبل الميلاد , وحتى نهاية القرن الثالث قبل الميلاد . ويعتقد أن الفترة الديدانية يمكن أن نسميها فترة لحيان الأولى , وكانت الدولة فيها تنتمي إلى المكان لشهرته ولمركزه الديني , ثم تحول إسم الدولة إلى إسم القبيلة « لحيان » عندما توسع نفوذها , ويمكن تسميتها لحيان الثانية , وأصبحت تحكم مابين دومة الجندل شرقاً وساحل البحر الأحمر الشمالي حتى خليج العقبة الذي سمي بإسمها , فقد كان يسمى خليج لحيان , وبقي صدى هذا المسمى حتى القرون الأولى الميلادية . وفي هذه الفترة كانت لحيان تتاجر مع بلاد الشام شمالاً , ومع العراق شرقاً , ومع جنوب الجزيرة العربية ووسطها جنوباً , وهذا ماتشهد به النصوص والآثار اللحيانية التي وجدت في ديدان ( العلا ) نفسها , أو في مناطق أخرى كقرية ( الفاو ) , وجبال كوكب الواقعة جنوب تثليث , وشواهد القبور في سبأ . ومع بداية القرن الثاني قبل الميلاد شارك المعينيون اللحيانين في الحكم , وكانت مملكتهم في منطقة جوف اليمن , وكانت مملكتهم أنشط الممالك العربية في التجارة , بل تفوقوا على سبأ و وصل نشاطهم التجاري إلى قرية والخليج والعلا . وهكذا شارك المعينيون بقوة في تجارة العلا مما أضعف الوجود اللحياني , ثم تلا ذلك إمتداد نفوذ الأنباط إلى الجنوب حتى وصل إلى حدود يثرب .(الأنصاري1418 :3-11).


    أما تيماء , فهي تقع جنوب شرق مدينة تبوك على بعد 260 كيلاً . وقد لعبت دوراً كبيراً في تاريخ شمال الجزيرة العربية الاقتصادي والسياسي , لوقوعها على الطريق التجاري بين الشمال والجنوب . ولعل أهم الأحداث التي تبرز في تاريخ تيماء مجيء نبونيد من وادي الرافدين وبقائه في تيماء قرابة عشر سنوات , بنى فيها قصره العتيد الذي تدل عليه الأسوار الضخمة . وتذكر الرواية التاريخية أنه أفنى نحو عشرين ألفاً من سكان تيماء ليسيطر عليها وهذا الرقم على مافيه من مبالغة يدل على الأهمية الاقتصادية والنمو الحضاري الذي كانت تتمتع به تيماء (الأنصاري 1975 : 80؛ أبو درك1986 : 7, 52 ).

    وقد ذكرت تيماء في النقوش الآشورية والبابلية بوصفها مركزاً تجارياً لبعض القبائل العربية وكانت لها أهمية خاصة على الطرق البرية الرئيسية المؤدية إلى الشواطئ الشرقية إلى البحر الأحمر ( أبو درك 1986 : 3 ). وقبيل الإسلام بسط الغساسنة نفوذهم على هذه المدينة التجارية المهمة التي وجد بها العديد من الآبار والمعالم الأثرية ( الأنصاري 1975 : 80 ).

    وكانت دومة الجندل أحد أهم مراكز تجارة القوافل , فضلاً عن أهميتها الدينية للقبائل العربية قبل الإسلام حيث عرفها الآشوريون والبابليون وشنوا عليها حملات يعود أقدم ماسجل منها إلى القرن الثامن قبل الميلاد , كما أخذوا عدداً من ملكاتها أسيرات إلى بابل . وكانت أهم القبائل التي تسكن هذه المنطقة من دومة حتى تيماء قبيلتي قيدار و أدوم . ولعل إسم دومة اشتق من إسم هذه القبيلة , التي جاء ذكرها في التوراة بإعتبارها إحدى القبائل ذات الشوكة في المنطقة (الأنصاري 1975 : 80-82 ؛ Al-Muaikel 1994 : 11-29).

    وأدت دولة الأنباط التي ظهرت على مسرح الأحداث في المنطقة التي تشمل شمال المملكة العربية السعودية وجنوب الأردن في الفترة مابين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي دوراً بارزاً في حركة التجارة البرية بين شمال الجزيرة العربية و جنوبها . وكانت طرق القوافل القديمة تمر عبر الحجاز إلى منطقة الحجر ( مدائن صالح ) ثم إلى البتراء ومن هناك تتجه غرباً عبر مدن الأنباط إلى غزة والعريش , وشمالاً إلى دمشق ومنها إلى ساحل البحر المتوسط .

    وتدهورت القوة التجارية بدولة الأنباط بسبب الإحتلال الروماني للمنطقة الشمالية لهذه المملكة عام 106م , وتحول البتراء إلى مقاطعة رومانية ( الأنصاري 1984 : 44-46 ) . وأعقب ذلك تحول الطرق التجارية إلى طريق البحر الأحمر مروراً بمصر , و إلى طريق الخليج العربي مروراً بتدمر , ومن هناك على الإمبراطورية الرومانية .

    وقد عمل تطور هذه الطرق البحرية على الانهيار السريع للأنباط بعد عام 106 م (هيلي 1986 : 137). وتعد قرية (الفاو ) إحدى أهم المدن في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام .فقد كانت هذه المدينة , التي عرفت في كتابات المسند باسم « قرية ذات كهل » , عاصمة مملكة كندة الأولى ( منتصف القرن الأول قبل الميلاد إلى بداية القرن الرابع الميلادي ). وعاشت نحو ثمانية قرون من الزمان مابين القرن الرابع قبل الميلاد حتى بداية القرن الرابع الميلادي . واكتسبت أهميتها التجارية من وقوعها على طرق القوافل المتجهة جنوباً إلى اليمن , وشمالاً بشرق إلى الخليج العربي وشمالاً عبر الصحراءإلى بلاد الشام . وأثبتت الأدلة الأثرية التي كشفت عنها حفريات جامعة الملك سعود خلال العقدين الماضيين أن هذه المدينة من اكبر مدن القوافل , سواء في الجزيرة العربية أو ما جاورها , اذ بلغ طولها من الشمال إلى الجنوب خمسة اكيال وعرضها من الشرق إلى الغرب حوالي كيلين .

    وقد كان للطرق التجارية البرية الممتدة من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها دور رئيس في حياة سكان « قرية » لأنها كانت عاملاً مهماً في اتصالهم بالأمم الأخرى .وبسبب إزدهار الحركة التجارية نهضت مرافق الحياة المختلفة .وكانت الحبوب والطيوب والنسيج والأحجار الكريمة والمعادن والذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص أهم السلع التي تاجر فيها أهل « قرية » عبر هذه المسارات التجارية .وقد انعكس ثراء أهل « قرية » على مابنوه من دور وقصور وأسواق ومقابر ومعابد ومازينو به منازلهم من رسوم متنوعة وتماثيل معدنية واخرى من المرمر ( الأنصاري 1982 .77- 88).

    وفي أوائل القرن الرابع الميلادي تدهورت تجارة القوافل بسبب كساد أسواق البخور في جنوب الجزيرة العربية ؛ لأن البخور كان أهم سلع التجارة في العالم القديم ؛ لاستخدام في الطقوس الدينية التي تمارس في المعابد والقصور وحتى في بيوت عامة الناس .

    وهناك ثلاثة أسباب محتملة لهذا الإنهيار , وهي : إنتشار المسيحية في الإمبراطورية الرومانية وما تبعه من قلة استخدام البخور في الطقوس الدينية الكنسية , وضعف الإمبراطورية الرومانية مما أدى إلى إنفلات الأمن على طرق البخور المتجهة صوب البحر الأبيض المتوسط . و أما السبب الثالث فهو الحروب الداخلية بين دويلات الجزيرة العربية ؛ وما نجم عنها من إنهيار هذه الدول وانزوائها .ورغم ذلك استمرت طرق التجارة البرية وحركة القوافل بشكل متقطع حتى قبيل ظهور الإسلام(Groom 1981 :162 ؛ السعود 1996 :103 ).


    طرق التجارة البحرية

    دخل النشاط البحري عبر موانئ الخليج العربي والبحر الاحمر ميدان الصراع السياسي والإقتصادي بين القوى الموجودة في المنطقة منذ قرون عديدة سابقة للميلاد . ذلك أن عرب الجزيرة العربية ,المسيطرين على معظم الطرق التجارية العابرة بين الشرق والغرب في العالم القديم , كانوا ينقلون بضائعهم على شبكة من الطرق البرية تصل جزيرتهم بالمناطق المجاورة ( الانصاري 1975 :75-76 ) . وقد شكل عدم اهتمامهم الكافي بنقل بضائعهم عن طريق البحر نقطة ضعف استغلها منافسوهم من الإغريق والرومان , فعملوا على تحويل طرق التجارة العابرة إلى البحر , بعد أن بسطوا نفوذهم على المنافذ البحرية في كل من بلاد الرافدين والشام و مصر وحوض البحرالأبيض المتوسط , وكان هدفهم إضعاف المالك والدويلات العربية والقضاء على نفوذها وثرائها (غبان 1993 :1/141- 142).

    وفطن عرب الجزيرة إلى مخططات منافسيهم , فسارعوا إلى اقتحام ميدان التجارة البحرية , وساعدهم على ذلك الموقع الجغرافي الإستراتيجي لجزيراتهم التي تحدها من جهات ثلاث . و قد تمكن العرب من ارتياد البحر و النفاذ من خلاله إلى أقاليم مختلفة من العالم سعيا وراء تجارتهم و تسويق بضائعهم . و اتصلوا يالدول و الأقاليم الواقعة على الضفاف المقابلة للجزيرة العربية عبر شبكة من الطرق البحرية ، كانت تمتد من خليج العقبة في شمال البحر الاحمر مرورا بسواحل بحر العرب ، حيث يتجه فرع عبر المحيط الهندي إلى سواحل الهندية ، و بينما يستمر الفرع الآخر في المسير إلى أن يصل رأس الخليج العربي . و فضلا عن ذلك ، فإن اتجاه العرب إلى التجارة البحرية كان أيضاء بسبب اضطرار سفن مناوئيهم اليونانيين و من بعدهم الرومان إلىدخول موانئهم ، و هو أمر كانت تفرضه قوانيين الملاحة بالسفن الشراعية أو السفن التجديف المستخدمة في ذلك الزمان ( غبان 1993 : 1 / 142 ).
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 297
    تاريخ التسجيل : 18/10/2010

    تاريخ النقل والتجاره بالجزيره العربيه منذ العصر الحجرى وحتى الاسلام  Empty رد: تاريخ النقل والتجاره بالجزيره العربيه منذ العصر الحجرى وحتى الاسلام

    مُساهمة  Admin الإثنين سبتمبر 12, 2011 10:05 pm

    طريق الساحل الشرقي و موانئه :

    تواصلت علاقات الجزيرة العلربية التجارية مع الأقاليم المجاورة عبر ساحلها الشرقي ، فظهرت المرافئ و المراسي الطبيعية التي ذكرتها العديد من المصادر التاريخية . و قد ساهم في قيامها توافر المياه الصالحة للشرب فيها كما هو الحالى في جزيرة تاروت بشرق المملكة العربية السعودية ، و فيلكا بدولة الكويت ، و جزبرة البحرين ، و أم النار بدولة الأمارات العربية المتحدة و شبة جزبرة مسندم بسطلنة عمان ( عبده 1988 : 206 – 229 ) . و قد أدت هذه المراسي دورا كبيرا في حركة النقل البحري في منطقة الخليج العربي خلال العصور القديمة .

    و هناك ميناء الجرهاء ، على الساحل الشرقي للمملكة ، و الذي كان مركز تجاريا مهما في القرن الثاني الميلاد ، ذا نشاط يصل إلى جنوب الجزيرة العربية و إفريقيا و بلاد الرافدين و الهند , و اشتهر أهلها بالثراء العريض حيث كانوا يمتلكون الذهب و الفضة و المصنوعات الفاخة ( البدر 1974 : 30 – 33 ؛ جروم 1982 : 95 – 105 ؛ عبده 1988 : 218 – 219 ) و ربما كان ميناء الجرهاء ميناء لمعين و كندة عندما كلنت قرية الفاو في أوجة نشاطها التجاري و تفوقها السياسي ( أ.د. الأنصاري : رأي قيد النشر ).

    و هناك ميناء خاراكس – Charax ( ميسان الخالية ) على رأس الخليج العربي جنوب وادي الرافدين ، الذي أشارت إليه حوليات العهد المبكر من حكم أسرة ( هان ) الصينية في معرض حديثها عن العلاقات التجارية مع منطقة الشرق الأدنى في الفترة التي ترجع إلى بعد 140 ق.م ( يحيى 1979 : 326 – 327 ) .


    طريق ساحل اليبحر العربي و موانئه :

    أدت الموانئ و المراكز التجارية في الجنوب الجزيرة العربية دورا بارزا في تمتين العلاقات التجارية من الأمم و الأقاليم المجاورة . و كانت عدن منذ القرن السادس قبل الميلاد ميناء مهما على بحر العرب في طريق التجارة القادمة من مصر و ساحل أفريقيا الشرقي و المتجهة إلى الهند . و هناك قنا ( حصن الغراب ) و هى ميناء حضرموت القديم على بحر العرب ، و قد تاجر فيه الحميريون منذ القرون الأخيرة قبل الميلاد إلى أواخر القرن الأول الميلادي ( 184 – 182 : 1971 Doe ؛ 42 -35 : 1958 Bowen ) .

    و هناك أيضا ميناء سمهرم – ميناء ظفار – الذي أسسه أحد ملوك شبوة في القرن الأول قبل الميلاد ، كما تدل على ذلك الآثار و النقوش التي كشفت بموقع هذا الميناء في خور روري قرب بلدة طاقة الحالية في ظفار . و كانت السفن تؤم هذا الميناء في طريقها الى الهند ، و منه كان يصدر اللبان ( وزارة الإعلام و الثقافة بسلطنة عمان 1979 : 22 – 23 ) .

    و ظلت التجارة البحرية الهندية و الأفريقية في أيدي العرب بعد انحسار نفوذ الفينيقيين ، الذين سيطروا على طرق التجارة في البحر الأحمر و البحار المتصلة به طوال القرن العاشر قبل الميلاد . و مما ساعد على ذلك اضطراب الأحوال السياسية في مصر في تلك الفترة ( زيادة 1984 : 259 – 260 ) .

    و يبدو أن استخدام العرب للملاحة في المحيط الهندي قد انحسر في القرون الأخيرة قبل الميلاد ، حيث تعوزنا الكتابات و النقوش التي تشير إلى حركة تجارية في ذلك الحين عبر ذلك الممر المائي . و ربما كان هناك سببان لذلك ؛ أولهما : سيطرة البطلمة على النشاط التجاري في البحر الأحمر و لالمحيط الهندي مما أدى إلى تراجع التجارة البحرية في البحر من الجزبرة العربية على الأقل . اما السبب الثاني فهو اكتشاف بحار يوناني اسمه هبالوس – Hippalos أهمية الرياح الموسمية في تسهيل الرحلات عبر المحيط الهندي ، حيث أمكن وضع جدول زمني ينظم الرحلات في شهور معينة من السنة . و قد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في التجارة المباشرة عبر المحيط الهندي ، و لم يتمكن التجارة العرب من منافسة التجارة الإغريق الذي الذين كانوا يستخدمون سفنا بينما كانت السفن العربية أقل حجما ( 28 : 1963 Horurani ؛ يحيى 1979 : 329 – 330 ) .


    طريق ساحل البحر الأحمر و موانئه :

    تتحدث المصادر التاريخية و كذلك الأدلة الأثرية إلى العديد من الوانئ على هذا الطريق الساحلي ، لعبت دورا مهما في تجارة الجزيرة العربية في القرون التي سبقت الإسلام .

    و تشير السجلات التاريخية إلى ميناء نبطي على الساحل الشمالي الغربي للمملكة يدعي باللغة الإغريقية ( لوكي – كومي –Leuke Kome ) أي القرية البيضاء . و يمتد من هذا الميناء طريق إلى البتراء عاصمة الأنباط .(61 – 55 : 1984 Kirwan ؛ هليى 1986 : 137 ) . و اختلف الدارسون في التجديد الدقيق لموقع هذا الميناء ، فبعضهم يرى انه يقع قرب ينبع ، و بعضهم يرى إنه يقع شمال أملج في موقع مدنية الحوراء الأثرية ( علي 1980 :46 ) . بينما يرى البعض الأخر أنه يقع في عينونا ن و هذا الرأي الأخير يرجحه اكتشاف ميناء أكراكومى جنوب مدينة الوجه ، و هو ميناء نبطي آخر كان معاصرا لميناء لوكي كومي و استخدام ميناء لمنطقة الحجر ( غبان 1993 : 1 / 21 – 25 ) .

    و رغم الضغط المتزايد على دولة الأنباط – و لاسيما في الفترة ما بين قبل الميلاد إلى منتصف القرن الأول الميلادي – إلا أنهم تمكنوا من تطوير اقتصادهم و زراعتهم عن طريق التوسع في استخدام طرق الري , و يرجع ذلك جزيئا إلى تدهور الطرق التجارية المتجهة صوب الجنوب ( هيلي 1986 : 136 ) .

    و حاول البطالمة في مصر بسط نفوذهم على منطقة شمال بحر الأحمر لتحويل حركة التجارة و النقل البحري من موانئ جزيرة العرب إلى موانئ المصرية , إلاأنهم فشلوا في تحقيق ذلك الهدف ( جبرا 1951 : 264 – 265 ).

    و بعد أن ورث الرومان النفوذ البطلمي في الشرق , حاول القيام بالماولة نفسها , فأرسل حاكمهم في مصر جيشا عبر البحر الأحمر بقيادة إليوس – قالوس الذي نزل في ميناء لوكي – كومي عام ( 24-25 ق.م ) ثم سار عبر الطريق البري للاستيلاء على الموانئ الواقعة على امتداد ساحل الجزيرة العربية الغربي إلى قرب اليمن . و كان مآل هذه الحملة الفشل بسبب مقاومة العرب و تفشي الأمراض بين أفراد جيشه , فضلا عن حر الصحراء القائظ و العطش الذي حاق بجنده , مما اضطر قائد الحملة و فلول جيشه في نهاية المطاف إلى أن يعودوا أدراجهم إلى مصر ( جبرا 1951 : 264 – 265 ؛ غبان 1993 : 1 / 144 ) .

    و استمر نفوذ الرومان على ميناء لوكي – كومي لفترة ليست بالقصيرة ، خاصة بعد أن ضموا البتراء إلى نفوذهم و أصبحت ولاية رومانية ، و فرضوا إدارة لجباية الضرائب من السفن و التجارة ؛ فكانوا يأخدون ربع أثمان السلع الواردة إلى الميناء ( علي ، جواد 1980 : 45 ) .

    و في عهد الدولة البيزنطية استمرت الموانئ الشمالية للحجاز تشارك في حركة النقل البحري بين الحجاز و مصر . و توجد اليوم على امتداد ساحل الحجاز مواقع أثرية تراجع إلى العصور النبطية و الرومانية و البيزنطية ، ووجدت على سطوحها العديد من الكسر الفخارية ة الزجاجية و القطع المعدنية و بعض العملات و غيرها من المواد التي تنبئ عن أوضاع اقتصادية مزدهرة خلال تلك الحقب ( كيليك 1981 : 37 – 52 ؛ غبان 1993 : 1 / 145 ) .

    و قبيل ظهور الاسلام اضمحلت التجارة المنقولة بحرا بين موانئ الحجاز و موانئ البحر الأحمر الأخرى بسبب الظروف الاقتصادية المتدهورة آنذاك . و رغم ذلك كان سكان مكة و المدينة يستخدمون , في بعض الاحيان , الموانئ القريبة منهم للتصدير و الاستيراد , فقد استخدام اهل مكة ميناء الشعيبة في تجارتهم مع شرق أفريقيا و بخاصة الحبشة , على حين استخدام أهل المدينة ميناء الجار الذي يقع بالقرب من ميناء ينبع ( غبان 1993 : 1 / 146 )
    __________________
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 297
    تاريخ التسجيل : 18/10/2010

    تاريخ النقل والتجاره بالجزيره العربيه منذ العصر الحجرى وحتى الاسلام  Empty رد: تاريخ النقل والتجاره بالجزيره العربيه منذ العصر الحجرى وحتى الاسلام

    مُساهمة  Admin الإثنين سبتمبر 12, 2011 10:06 pm

    النَّشَاطُ التُجاريُّ بَيْن الجزيرةِ العَربيَّة ومِصْر قَبْل الإسلام


    احتلت الجزيرة العربية مكانة متميزة في إنتاج المواد العطرية خلال العصرين اليوناني والروماني سواء ما كان ينتج بها محلياً أو ما كان يرد إليها من إنتاج غيرها وخاصة بلاد الهند. وقد ورد ذكر الجزيرة العربية كبلاد تفوح بالعطر والطيب في تاريخ هيرودوت (485-425ق.م) وكتابات بلينيوس (23-72م) واسترابون[1].



    وتُعد كتابات هيرودوت أول المؤرخين اليونان هي أول ذكر مفصل ومطول عن العرب والجزيرة العربية، ففي سياق حديثه عن الجزيرة العربية أفاض في ذكر منتجاتها من اللبان والمُر والقصيعة والقرفة واللادن أو المستكة وذكر بشكل عام أن العرب كانوا يتاجرون في هذه المواد مع البلاد الأخرى وأن الفينيقيين في هذه الفترة كانوا يقومون بدور الوسطاء في تجارة الطيب والتوابل بين الجزيرة العربية والعالم اليوناني[2].




    ويذكر بلينيوس أن بعض أنواع الطيوب والتوابل كانت تنتج في الجزيرة العربية دون غيرها من البلاد الأخرى، فلا ينتج اللبان مثلاً إلا في حضرموت، ويشارك الجزيرة العربية عدد من البلاد الأخرى في إنتاج المُر والمستكة وصمغ اللادن وعدد آخر من المواد العطرية، أما القرفة والقصيعة فهي لا تنتج في الجزيرة ولكن يحصل عليها التجار العرب من بلاد أخرى ثم يعيدون تصديرها، وقد أورد هذا المؤرخ أيضاً أن تجارة هذه المواد لم تعاني أي بوار في تسويقها بسبب الإقبال الشديد عليها سواء في مصر أو روما حيث كانت هذه البلاد تستوعب أية كميات تصلها من الجزيرة العربية، فيذكر مثلاً أن محصول اللبان بعد أن كان يُجمع مرة واحدة كل عام أصبح يُجمع مرتين بسبب رواج تجارته[3].


    مرت الجزيرة العربية بتحول تاريخي جديد منذ النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد حينما انتهى الرومان من إخضاع مناطق شرق البحر المتوسط وما صاحب ذلك من رخاء كبير كان أحد مظاهره استهلاك غير عادي من جانب المجتمع الروماني للطيوب والتوابل التي كان يأتي معظمها من الجزيرة العربية، كما صاحب ذلك ازدهار طبقة أصحاب رؤوس الأموال والتي عُرفت بطبقة الفرسان والتي كانت تسيطر على الاقتصاد الروماني المتمثل في تجارة أغلى السلع وهي المواد العطرية والتوابل[4].


    وقد اهتم سترابون بالحديث عن تغيير مسار الطرق التجارية في عصره فيذكر أن تجارة المواد العطرية التي كانت تصل إلى البتراء الفينيقية الملاصقة لمصر ومنها إلى بقية الشعوب، أصبحت تصل مباشرة عن طريق البحر الأحمر إلى ميناء ميوس هرموس على الساحل المصري للبحر الأحمر ومنها بالجمال إلى مدينة قَفْط التي تقع على قناة تصب في النيل ثم بعد ذلك إلى الإسكندرية[5]. واشتهر العرب في تلك الفترة بين الأمم الأخرى بأنهم قوم تجارة وأن التجارة صاحبتهم في عصورهم المختلفة، حتى ذكر سترابون عن العرب "أنهم تجار وسماسرة وقوم تجارة وبيع وشراء"[6]، وكان للممالك العربية مثل تدمر وسبأ ومعين معرفة ودراية كبيرة بالتجارة ومكانة مرموقة في تجارة الشرق بصفة خاصة، فقد حمل أهل تدمر في القديم إلى مصر صادرات بلاد العرب والهند، وكانت روما التي خضعت لها معظم بلاد العالم تهاب تدمر وتتودد إليها[7]، ولم يكن المعينيون أقل حظاً في التجارة من التدمريين فقد ازدهرت تجارتهم بشكل كبير حيث امتد نفوذهم حتى سواحل البحر المتوسط إلى جانب خليج العجم[8]، وكان لمملكة سبأ أيضاً نشاط تجاري واسع ومرموق مع مصر في تجارة الطيوب والتوابل وظل هذا النشاط قائماً حتى أخذت التجارة الهندية في السيطرة على التجارة البحرية خلال القرن الأول الميلادي ومن هنا بدأ نجم السبئيون في الأفول[9].


    وقد كان الخليج العربي شرياناً هاماً للملاحة بين جنوب غرب آسيا والشرق الأقصى خاصة أنه كان مدرسة قديمة للملاحة حيث اشتغل أهله بتجارة البخور والتوابل واللؤلؤ منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، بالإضافة إلى ما تدلنا عليه بعض الآثار المصرية التي ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات من وجود اتصال تجاري بحري بين الخليج العربي والبحر الأحمر منذ أكثر من سبعة آلاف عام[10]، وكان البحر الأحمر هو الآخر من أهم طرق التجارة وأقدمها بين مصر وبلاد اليمن والجزيرة العربية في العصر البطلمي وما بعده، وقد ظل اهتمام المصريين بالتجارة مع تلك البلاد عن طريق البحر الأحمر طوال التاريخ مما أدى إلى شق قناة بينه وبين النيل لتسهيل طريق التجارة. وكان هناك طريق تجاري بري آخر في جنوب مصر يصل ما بين قِنَا والبحر الأحمر نشأت من جرائه عدة مراكز تجارية جديدة على النيل مثل قَفْط والقُصَيْر وغيرها قامت بينها وبين موانئ عربية مقابلة لها مثل يَنْبُع وجِدَّة أنشطة تجارية كبيرة. أما طرق التجارة في شمال الجزيرة العربية فقد تأثرت بعدة عوامل كان من أهمها مناطق القوة السياسية، ومدى امتداد النشاط التجاري خلال العصر الإغريقي الروماني إلى جانب حالة الأمن في منطقة الهلال الخصيب[11].


    وظلت التجارة تلعب دوراً رئيساً في حياة عرب الجزيرة في عصور ما قبل الإسلام فقد كانوا إما تجاراً أو وسطاء تجاريين أو ناقلين للتجارة أو حماة لطرق مسيرها، ومن ثم قامت عدة مراكز تجارية عربية في أماكن شتى من شبه الجزيرة العربية سواء في شمالها أو جنوبها أو حتى وسطها[12].


    حرص الأنباط على السيطرة على التجارة العربية التي كانت ترد إلى عاصمتهم بحكم موقعهم حول خليج العقبة ولم يترددوا نتيجة لذلك في تحدي سفن البطالمة ومهاجمتها وكان على البطالمة أيضاً مواجهتهم حتى يوقفوا غاراتهم على تلك التجارة وسيطرتهم عليها ولذلك أعد الملك بطلميوس الثاني فيلادلفوس (285-246ق.م) أسطولاً حربياً لوقف هذه الغارات واهتم بإخضاع شرق الأردن لتأمين التجارة العربية التي كانت تمر بفيلادلفيا (عَمَّان) متجهة إلى ميناء بطلميوس (عكا) على ساحل فينيقيا، فضلاً عن إنشائه عدة موانئ على الساحل المصري للبحر الأحمر، وأوعز إلى إغريق مدينة ميلينوس الواقعة على الساحل الغربي لآسيا الصغرى بتأسيس مستوطنة جديدة عُرفت باسم أمبيلوني على الساحل العربي لأرض لحيان إمعاناً في إحكام المواجهة مع الأنباط، واستدعى ذلك بطبيعة الحال إلى توثيق علاقاته مع اللحيانيين ثم المعينيين الذين كانت تنتهي عند مدينتهم دِدان طرق التجارة القادمة من جنوب الجزيرة العربية. ولما كانت تلك القوى العربية الكائنة في شمال الحجاز لا تسلم من منافسة الأنباط لها في هذه التجارة فقد تعاونت مع الملك البطلمي وربطت مدينتها دِدان بمستوطنة أمبيلوني وذلك لتنقل منها السلع العربية مباشرة إلى ميناء ميوس هرموس البطلمي دون المرور بأرض الأنباط وبذلك يتخلصوا من دفع الضرائب الباهظة التي كانت تُفرض عليهم من قِبَل الأنباط قبل خروجها من البتراء . وقد عُثر في الجيزة بمصر على نقش كتابي بالخط المعيني يؤكد أن البطالمة قد وطدوا علاقاتهم الاقتصادية مع دولة سبأ في جنوب الجزيرة العربية، يرجع هذا النص لعهد الملك بطلميوس الثاني وقد نقشه تاجر معيني كان كاهناً في أحد المعابد المصرية وقام باستيراد كميات من المُرِّ والبخور بسفينة خاصة كان يمتلكها[13].


    ومن المؤكد أن سياسة الملك بطلميوس التجارية المدعمة بالقوة العسكرية أحياناً وبالجهود العلمية في مجال الكشف الجغرافي وإنشاء الموانئ قد حققت أهدافها الاقتصادية إلى حد بعيد، فورد في وصف احتفالات لهذا الملك : "... وكان بعض الغلمان ينثرون العطور على النظارة ... وجِمال حُمِّل بعضها ثلثمائة رطل من اللبان ومائة رطل من المُر ومائتي رطل من الزعفران والقاسيا والسوس والقرفة وكل أنواع التوابل

    والأفاويه ..."[14]، وذكر ثيوقريطس في مدح الملك بطلميوس الثاني "... شيد المعابد وملأها بألوان من الطيب الزكي والبخور العطر ..."[15].


    وعندما برز النشاط التجاري العربي في البحر الأحمر خلال عصر البطالمة وما تلاه أخذ التجار العرب يتوافدون على مصر وبدأ نوع من الاتصال المباشر من جانب سكان الجزيرة العربية واتضحت هذه الظاهرة بشكل جلي في كثرة النقوش العربية المحفورة على الحجر خاصة على جوانب الطرق القادمة من الموانئ الواقعة على حافة الصحراء حيث المداخل التي كان يفد عن طريقها هؤلاء التجار. ويعد النقش المدون بالكتابة العربية الجنوبية على تابوت التاجر المعيني (الكاهن) زيد بن أيل والذي يرجع إلى العصر البطلمي من أقدم النقوش العربية في مصر والتي توضح ظاهرة توافد التجار العرب إلى مصر واستقرارهم فيها ويُستدل من خلاله على مدى اندماج عرب الجزيرة في مصر واتباعهم العادات المصرية مما زاد من انصهار الحضارات مع بعضها بشكل كبير[16].


    الهوامش


    Diodorus Siculus, Bibliotheca Historica, II, p. 4, 25 . 1

    2 لطفي عبد الوهاب يحيى، الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية، مقال بالكتاب الأول لمصادر تاريخ الجزيرة العربية، ج2، الرياض 1979،

    ص55-56.

    [3] لطفي عبد الوهاب يحيى، المرجع السابق، ص63 ؛ Plinius, Historia Naturalis, XIIm, p. 58-83

    [4]Pritchard (J.B.), Ancient Near East. Supplementary Texts and Pictures Relating to the Old testament. Princeton, New Jersy, 1955, p. 123 ; Cary (M.), A History of Rome, 1951, p. 567 .

    [5]لطفي عبد الوهاب يحيى، المرجع السابق، ص61 ؛ Strabo, Geographica, XVI, p. 4:24

    [6]ناصر بن سعد الرشيد، تعامل العرب التجاري وكيفيته في العصر الجاهلي،مقال بالكتاب الأول لمصادر تاريخ الجزيرة العربية، ج2، الرياض 1979، ص216 ؛

    مجلة المجمع العلمي العراقي، ج2، بغداد 1978،ص78 .

    [7]سعيد الأفغاني، أسواق العرب في الجاهلية والإسلام، الطبعة الثانية، دمشق 1379هـ، ص17 .

    [8]سعيد الأفغاني، المرجع نفسه، ص18 .

    [9]سعيد الأفغاني، المرجع السابق، ص18، 19.

    [10]محمد السيد غلاب، المرجع السابق ، ص196.

    [11]محمد السيد غلاب، المرجع السابق، ص191: 194.

    [12]Huzayyen, (S.A), Arabia and the Far East, Cairo 1942, p. 163 .

    [13]مصطفى كمال عبد العليم، دور البحر الأحمر في تاريخ مصر في عصر البطالمة، القاهرة 1979، ص24.

    [14]مصطفى كمال عبد العليم، المرجع نفسه، ص14، 15 .

    [15]محمد صقر خفاجة، شعر الرعاة، القاهرة 1978، ص90 .

    [16]عبد المنعم عبد الحليم سيد، الجزيرة العربية ومناطقها وسكانها في النقوش القديمة في مصر، مقال بالكتاب الأول لمصادر تاريخ الجزيرة العربية، ج2، الرياض 1979، ص46 ؛ جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج2، بيروت 1968، ص34 .

    مصدر الخبر : مجلة الآثار-25/5/2011الكاتب : دكتور/ عادل محمد زيادة أخصائي الآثار الإسلامية بوز

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 3:24 pm