زمردة النيل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
زمردة النيل

منتدانا يهتم بالتاريخ والفن والثقافه وكل ما هو جديد من العلوم


    فقه الاختلاف.. الفريضة الغائبة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 297
    تاريخ التسجيل : 18/10/2010

    فقه الاختلاف.. الفريضة الغائبة  Empty فقه الاختلاف.. الفريضة الغائبة

    مُساهمة  Admin الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 5:09 pm

    فقه الاختلاف.. الفريضة الغائبة

    --------------------------------------------------------------------------------

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    من الاستشارات الدعويه


    فقه الاختلاف.. الفريضة الغائبة


    الإخوة الكرام في صفحة الاستشارات الدعوية..

    جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه لنا من عون ونصح، ونسأل الله تعالى أن يعينكم، ويفتح لكم بالخير.

    لديَّ سؤالٌ أتمنَّى لو تجيبوني عليه بالتأصيل والعمق الذي تعوَّدناه من حضراتكم، وهو حول قضية الاختلاف مبادئها وأصولها التي يمكن أن نتبعها حتى لا يجر الخلاف ما نراه من الفرقة والشقاق بين المسلمين، وما ينتج عن مثل هذه المواقف من مشكلات لا تنتهي. أرجو أن تهتموا بسؤالي، وجزاكم الله خيرًا.


    أخي الكريم؛
    بارك الله فيك ونفع الله بك إذ فتحت هذا الموضوع للنقاش؛ فهو من أهم ما يميز الشريعة الإسلامية.. إذ الاختلاف سنةٌ من سنن الله في الحياة، وسرٌّ من أسرار الوجود العظمى، وهو بجميع درجاته، بدءً من التناقض والتضاد، إلى التشابه والتماثل، ضرورةٌ حياتيَّةٌ لا يمكن أن يُتصوَّر وجود بدونها.

    وقد جاءت نصوصٌ ومأثوراتٌ تضع مبادىء وأصولاً للاختلاف المحمود ترتقي به في كثيرٍ من الأحيان إلى درجة الوجوب العملي،

    والسبب الرئيسي، في نظري، لمثل هذه المواقف هو قلَّة الفقه بوجهٍ عام، وقلَّة الفقه بما يمكن أن يطلق عليه "فقه الاختلاف" بوجهٍ خاصٍّ، ومن المحزن أن تكون هذه حال المسلمين، وموروثهم الفقهي زاخرٌ بالمصنفات التي أفردت لقضايا الاختلاف وشرح أسبابه ودواعيه، وتاريخهم في كثيرٍ من جوانبه هو في حقيقة الأمر ثمرةٌ من ثمرات الاختلاف.

    وفقه الاختلاف فقهٌ يحتاج إلى عنايةٍ خاصَّة، فعلى الرغم من كثرة المصنَّفات التي تطرَّقت إلى الاختلاف ومسائله، فإنَّ القليل منها الذي قدَّم تأصيلاً له وبلور تصوُّرًا شاملاً للموقف منه، إذ اكتفت معظم المصنفات بذكر أسباب الاختلاف وسرد مسائله وبعض آدابه، دون تأصيلٍ فقهيٍّ له.

    وغني عن القول أنَّ حاجة الأمة لهذا النوع من الفقه اليوم هي أعظم من أيِّ وقتٍ مضى، ولكن يبقى أن هناك أصولاً ينبغي التنبيه عليها في توضيح تصوُّرنا لهذا الفقه، ومن أهمِّ الأصول التي يمكن أن يبنى عليها التصوُّر الإسلامي للاختلاف على المستوى الإنساني ما يلي:

    1- أنَّ الاختلاف كما كان سنَّةً ماضيَّةً في الخلق وناموسًا من نواميس الوجود، فهو كذلك ماضٍ في المسلمين في معظم شؤون حياتهم.

    2- أنَّ الاختلاف نوعان:
    - نوعٌ مذمومٌ، وهو ما كان نتيجةً للهوى والقول بغير علم، أو ما كان متضمنًا بغيًّا بأيِّ صورةٍ من الصور.
    - ونوعٌ محمودٌ، وهو ما كان نتيجةً للاجتهاد المنضبط بجميع مستوياته.

    3- أنَّ من القضايا ما لا يجوز الاختلاف فيه، ومنها غير ذلك، وما لا يجوز الاختلاف فيه هو جملة الأمور القطيعة الثبوت القطيعة الدلالة، وكلُّ معلومٍ من الدين بالضرورة مما لا يحتمل إلا رأيًّا واحدًا. أما ما سوى ذلك فهو محل اجتهادٍ ونظرٍ واختلاف، واختلاف الآراء فيه سائغ.

    4- أن الاجتهاد في طلب الحقِّ فرضٌ على جميع المسلمين كلّ حسب استطاعته، وهو بالنسبة لأصحاب الأهليَّة الفقهيَّة إمَّا أن يكون اجتهادًا مطلقًا أو اجتهادًا ترجيحيًّا، أو اجتهادًا جزئيًّا؛ وبالنسبة لغير أصحاب الأهلية الفقهية يكون اجتهادًا في اختيار الفقيه المقلَّد.

    ولابد هنا من التفريق بين مسائل الاختلاف، ومسائل الاجتهاد، فليست كلُّ مسائل الخلاف من مسائل الاجتهاد، بل كثيرٌ من مسائل الاختلاف إنَّما نشأت على غير دليلٍ، إمَّا لهوىً أو لقلَّة علم.

    5- أنَّ التجرُّد وبذل الوسع في طلب الحق لا يؤدِّيان بالضرورة إلى معرفة الحقِّ دائمًا، فقد يتجرَّد الإنسان ويبذل وسعه ولا يوفقه الله إلى الحقِّ لحكمةٍ يراها.

    6- أنَّ الحقيقة المطلقة هي من علم الله عزَّ وجلَّ وحده؛ وما نقطع به منها هو ما جاء به الوحي القطعي الثبوت القطعي الدلالة؛ وما سوى ذلك فليس مبنيًّا إلا على غلبة الظنِّ ورجحان الدليل.

    7- أنَّ اختلاف المسلمين فيما يسوّغ الاختلاف فيه هو في جانبٍ ابتلاءٌ لهم، وفي جانبٍ آخرٍ رحمةٌ بهم، وهو ابتلاءٌ لما يشكِّله من تحدٍّ معرفيٍّ ومعاشي، وهو رحمةٌ من حيث عدم المؤاخذة على الخطأ فيه، ولما فيه من توسيعٍ عليهم.

    8- أنَّ أهليَّة الاجتهاد قد تكون مطلقة، وقد تكون للترجيح بين المذاهب، وقد تكون في المذهب الواحد أو المسألة الواحدة، ومن المؤسف أنَّ التصوُّر الإسلامي للاجتهاد لدى كثيرٍ من المسلمين المتأخرين قد تشوَّه حتى أصبح لا يرى من الاجتهاد إلا الاجتهاد المطلق، وأصبح لذلك كلُّ اجتهادٍ صادرٍ عن غير مجتهدٍ مطلقٍ اجتهادًا مرفوضًا غير معترفٍ به، بل انحرافًا يجب محاربته.

    هذا في الجانب الفكري التصوُّري، أمَّا في الجانب الفقهي التشريعي، وهو المتعلِّق بما يجب على المسلم تجاه أخيه المسلم في مسائل الاختلاف، فإنَّ أهمَّ ما يجب أن يُراعى هو:

    1- أنَّ الاجتهاد في طلب الحقِّ فرض عينٍ على كلِّ مسلمٍ حسب الاستطاعة وفي نطاق الأهليَّة الاجتهاديَّة بمعناها الواسع.

    2- أنَّ المجتهد ملزمٌ بما أدَّاه إليه اجتهاده وإن كان مخالفًا لكثيرين غيره، فإن كان مجتهدًا مطلقًا فلا يجوز له التقليد بأيِّ حالٍ من الأحوال، وإلزامه بمقتضى اجتهاده أشدُّ من غيره، وإن كان مرجِّحًا فهو ملزمٌ بترجيحه، وإن كان مقلِّدًا فهو ملزمٌ بفتوى من يُقلِّد.

    قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات: "فأمَّا المجتهد الناظر لنفسه، فما أدَّاه إليه اجتهاده فهو الحكم في حقه"،

    وقال ابن حزم رحمه الله في الإحكام في أصول الأحكام: "فإذا قام البرهان عند المرء على صحَّة قولٍ ما –قيامًا- فحقُّه التديُّن به، والفتيا به، والعمل به، والدعاء إليه، والقطع أنَّه الحق عند الله عز وجل"، ولا يستثنى من ذلك إلا الحالات التي يرى الحاكم المسلم فيها حمل الأمة على أحد الآراء في مسألةٍ من المسائل لمصلحةٍ عامَّة، فعندئذ يسقط عنه الإلزام خاصةً إذا كان الأمر متعلقًا بعبادةٍ جماعيَّةٍ أو معاملةٍ عامَّة.

    3- لا يجوز الإنكار ولا التشنيع على المخالف فيما يجوز الاختلاف فيه مهما كان واضحًا للآخرين خطأ المخالف، ذلك أنَّ الخطأ في الاجتهاد لا يستدعي المفارقة ولا التفسيق ولا التكفير مهما كان ذلك الخطأ، لعموم النصوص الواردة في ذلك، ومنها قول الله عز وجل: (وليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به ولكن ما تعمَّدت قلوبكم)، وقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: (رُفِع عن أمَّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، قال ابن حزم: (فمن حكم بقول ولم يعرف أنه خطأ، وهو عند الله تعالى خطأ، فقد أخطأ ولم يتعمَّد الحكم بما يدري أنه خطأ، فهذا لا جناح عليه في ذلك عند الله تعالى؛ وهذه الآية عمومٌ دخل فيه المفتون والحكام والعاملون والمعتقدون، فارتفع الجناح عن هؤلاء بنصِّ القرآن فيما قالوه أو عملوا به، مما هم مخطئون فيه، وصحَّ أنَّ الجناح إنَّما هو على من تعمَّد بقلبه الفتيا أو التدين أو الحكم أو العمل بما يدري أنَّه ليس حقًا، أو بما لم يَقُدْهُ إليه دليلٌ أصلاً.

    4- أنَّ الحكم على المسلمين هو على ظواهرهم فقط، أمَّا النيَّات فعلمها عند الله عزَّ وجلَّ وهو الوحيد المطَّلع عليها، وليس من واجب المسلم ولا من حقِّه أن يسعى لاستكشافها.

    أخيرًا؛ إنَّ من فقه الاختلاف معرفة الآداب الإسلاميَّة الواجبة في الحوار والجدل، فإنَّ مستقبل المسلمين -في نظري- مرهونٌ إلى درجةٍ كبيرةٍ بمدى قدرتهم على إدارة خلافاتهم بالأسلوب الذي يرتضيه ويقرِّره الإسلام وعلى الأسس الشرعيَّة المعتبرة.

    بتلخيص من اسلام اونلاين

    وختاما كل يؤخذ منه ويرد عليه الا صاحب المقام صلى الله عليه وسلم
    __________________

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 12:36 pm